دولي

بعد اغتيال القادة وسقوط الحلفاء.. ما مصير فيلق القدس؟

بعد اغتيال القادة وسقوط الحلفاء.. ما مصير فيلق القدس؟

إذا كانت ثمة مفاجأة في احتفالات النصر التي أقامتها السلطات الإيرانية في العاصمة طهران قبل أقل من أسبوع، فهي ظهور العميد إسماعيل قاآني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، في ساحة الاحتفال.

ونشرت وكالة "إرنا" الرسمية للأنباء صورًا لقاآني وهو يتجول في الساحة برفقة حراسه ويتبادل الحديث مع المواطنين. وأرفقت الصور بتعليق "الظهور الأول لقاآني بعد 12 يومًا من العدوان الإسرائيلي".

كما ظهر قاآني أيضًا في التشييع الضخم الذي أقامته إيران السبت الماضي لنحو ستين من قادتها العسكريين وعلمائها النوويين الذين قتلوا في الهجمات الإسرائيلية، وأظهرته مشاهد نقلها التلفزيون الرسمي وهو يمشي بتثاقل بعض الشيء بسبب إصابة في إحدى ساقيه على الأرجح.

وحسم ظهور قاآني إشاعات انتشرت في طهران حول مقتله، خاصة أنه لم يظهر خلال الأيام الاثني عشر التي دارت فيها المواجهة العسكرية بين بلاده وإسرائيل، إضافة إلى انتشار تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" لم تنفه طهران، ذكر أن قاآني قُتل في الثالث عشر من الشهر الحالي في الهجوم الإسرائيلي الأول.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يثير فيها غياب قاآني الجدل ويغذي إشاعات مقتله، فقد سبق لوسائل الإعلام أن ذكرت أنه قُتل في عملية الاغتيال التي استهدفت الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، لكنه ظهر في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 مشاركًا في مراسم تشييع الجنرال عباس نيلفوروشان الذي قُتل مع نصر الله.

وقاآني، الذي يبدو أن حذره يغلب اندفاعه، هو ثالث قائد لفيلق القدس بعد قاسم سليماني الذي عرف الفيلق في عهده نفوذًا قل نظيره، والعميد أحمد وحيدي الذي تولى قيادة الفيلق بعد إنشائه مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وعيّن المرشد الإيراني علي خامنئي العميد إسماعيل قاآني قائدًا لفيلق القدس في الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020، عقب ساعات من اغتيال سلفه قاسم سليماني في غارة أميركية قرب مطار بغداد.

فيلق القدس وتصدير الثورة

تأسس "فيلق القدس" بعد نحو عام من تولي علي خامنئي منصب المرشد الأعلى مطلع التسعينيات، كجزء من الحرس الثوري الذي أنشأه آية الله الخميني.

ورغم قلة عدد عناصر الفيلق مقارنة بباقي تشكيلات الحرس الثوري، فإنه يتمتع بنفوذ كبير، ويُعد أداة تنفيذ سياسة تصدير الثورة في الجوار والعالم، وهي من الأركان الأساسية لعقيدة الثورة الإيرانية.

وكان العميد أحمد وحيدي أول قائد للفيلق حتى عام 1997، وخلفه قاسم سليماني الذي عيّنه خامنئي في المنصب عام 1998، وقاده حتى اغتياله عام 2020، ليخلفه العميد إسماعيل قاآني.

ويُعتبر فيلق القدس الذراع العسكرية لإيران خارج حدودها، وقد توسّع نفوذه في عهد سليماني في لبنان والعراق وسوريا واليمن. وبعد هذا الصعود اللافت، يواجه اليوم مصيرًا غامضًا عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 من الشهر الجاري، الذي جاء بعد تحييد إسرائيل لما تسمّى أذرع إيران الإقليمية، ولا سيما حزب الله اللبناني، وسقوط نظام بشار الأسد.

اغتيال مسؤولي "المحور"

تلقت إيران ضربات موجعة في صفوف قادة فروعها العسكرية، ومنها فيلق القدس، خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، التي أخفت طهران الحجم الحقيقي لخسائرها، خاصة في صفوف قادة الصفين الثاني والثالث الذين يتحركون خلف ستار من السرية.

لكن ما تتكتّم عليه طهران، تعلنه تل أبيب بصراحة وتضعه في سياق ما تسمّيه إنجازاتها العسكرية؛ فقد أكدت في 21 من الشهر الجاري مقتل ثلاثة قياديين في الحرس الثوري، أبرزهم مسؤول وحدة فلسطين في فيلق القدس سعيد إيزادي.

وقال الجيش الإسرائيلي إن طائراته قضت على إيزادي في منطقة قم، داخل شقة اختباء سرية، بعد جهد استخباراتي طويل. ووصفه بأنه المنسق الرئيس بين الحرس الثوري وحركة حماس، وكان على تواصل مباشر مع قادة الفصائل في غزة والضفة الغربية.

واتهمه الجيش الإسرائيلي بأنه من مهندسي هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وكان من القلائل الذين اطّلعوا على خطته قبل تنفيذها. وكان إيزادي مدرجًا منذ 2019 على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية على خلفية ارتباطه بالحرس الثوري وحماس.

وربطت وسائل إعلام عربية بين زيارته إلى لبنان قبل يومين من مقتله، وبين اغتيال صاحب شركة صرافة يُدعى هيثم بكري، مرجحة أن يكون اغتيالهما قد استهدف ما سمّته شريانًا ماليًا حيويًا يربط إيران بحزب الله.

اغتيال مسؤول لبنان في فيلق القدس

جاء مقتل إيزادي بعد أسابيع من مقتل العميد عباس نيلفوروشان، مسؤول وحدتي سوريا ولبنان في فيلق القدس، الذي قُتل مع نصر الله في ضربة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وكان نيلفوروشان تولى ملف لبنان وسوريا بعد مقتل العميد محمد رضا زاهدي في أبريل/ نيسان 2024 في قصف إسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وسبقه مقتل رضي موسوي قرب دمشق في ديسمبر/ كانون الأول 2023.

ويُعد موسوي أبرز قيادي في الفيلق يُقتل خارج إيران منذ اغتيال سليماني. وكان ناشطًا في سوريا منذ الثمانينيات، وتولى رئاسة القسم اللوجستي المعروف بالوحدة 2250، ولعب دورًا محوريًا في تسليح حزب الله.

وباغتيال هؤلاء، تتعرض قنوات الاتصال المركزية بين فيلق القدس وحلفاء إيران في لبنان وفلسطين وسوريا لضربات قاصمة من شأنها إضعاف فاعلية الفيلق إقليميًا، ما لم تغيّر طهران مقاربتها لدعم "محور المقاومة".

ضرب حزب الله وسقوط الأسد

قبل الهجوم على إيران، كانت إسرائيل قد وجهت ضربات قوية لحلفاء طهران؛ إذ بعد فتح حزب الله جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في أعقاب العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تلقى الحزب ضربات قاسية أفقدته عددًا من قادته البارزين.

وفي سبتمبر/ أيلول 2024، فجّرت إسرائيل آلاف أجهزة التواصل المفخخة التي يستخدمها الحزب، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات، قبل اغتيال الأمين العام التاريخي للحزب حسن نصر الله لاحقًا في الشهر نفسه.

وتم تحييد الحزب فعليًا وإخراجه من معادلات الصراع في المنطقة بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، قضى بانسحابه من جنوب الليطاني وانتشار الجيش اللبناني مكانه، ما فتح الباب لنزع سلاحه.

وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول، تلقت إيران ضربة جديدة بسقوط نظام بشار الأسد، الحليف التاريخي لطهران، وصلة الوصل بينها وبين حزب الله في نقل الأسلحة والدعم اللوجستي

وكانت إيران قد بدأت سحب قواتها تدريجيًا من سوريا بعد القصف الإسرائيلي للقنصلية في أبريل/ نيسان 2024، وانسحبت من مواقع استراتيجية جنوبًا، وحلّ مكانها مقاتلون من حزب الله وفصائل عراقية.

وأدّت وتيرة الغارات الإسرائيلية المتصاعدة في سوريا إلى دفع طهران نحو تقليص وجودها العسكري تدريجيًا، خاصة بعد مقتل خمسة مستشارين إيرانيين بينهم مسؤول استخبارات الحرس الثوري في غارة على حي المزة في يناير/ كانون الثاني 2024.

مصير غامض لمحور المقاومة

منذ بدء العدوان على غزة، حاولت بغداد النأي بنفسها عن التصعيد الإقليمي، فيما اقتصرت هجمات الفصائل الموالية لإيران على ضربات رمزية، حيث شنّت عشرات الضربات تجاه إسرائيل أو قواعد التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لكنها بقيت بعيدة عن خوض حرب مفتوحة، على غرار حزب الله.

أما حماس وحركة الجهاد الإسلامي اللتان تتلقيان دعمًا إيرانيًا فقد أتى العدوان غير المسبوق على قطاع غزة على كثير من عناصر قوتهما، ولم يبقَ في المشهد سوى الحوثيين.

وبعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، الذي خلّف خسائر جسيمة في بنيتها العسكرية، يُتوقع أن تراجع طهران أولوياتها في المنطقة، من سياسة التمدد إلى إعادة الإعمار وترميم مكاسبها الوطنية.

وفي مواجهة هذا المشهد، اكتفى حلفاء إيران بالتنديد اللفظي، لتجنّب ضربات إسرائيلية إضافية من شأنها أن تأتي على ما تبقى من قوة لديهم.

ويعني ذلك بحسب منتقدي إيران ومحورها أن المشروع الإيراني الكبير في المنطقة يلفظ أنفاسه فعليًا، وأن فيلق القدس الذي كان أداتها في تصدير الثورة وتوسيع دائرة النفوذ، قد يتراجع في قائمة أولويات القيادة الإيرانية بعد الحرب، وربما يُضحّى به على نحو أو آخر على طاولة المفاوضات. 

يقرأون الآن