عربي آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

التطبير في عاشوراء: بين الولاء والدم

التطبير في عاشوراء: بين الولاء والدم

مع اقتراب العاشر من محرّم، يعود الجدل سنويًا حول واحدة من أكثر الشعائر الحسينية إثارة للنقاش داخل وخارج الوسط الشيعي، وهي "التطبير"، ذلك الطقس الديني الذي يجمع بين مشهد الدم والحداد والجدل العقائدي والاجتماعي.

ما هو التطبير؟

في صباح يوم العاشر من محرّم، يخرج بعض المشاركين في مواكب العزاء الشيعي ليضربوا رؤوسهم بالسيوف أو الآلات الحادة، حتى تسيل دماؤهم، في مشهد تعبيري عن الحزن الشديد لمصاب الإمام الحسين بن علي وأهل بيته في كربلاء. يُعرف هذا الطقس باسم "التطبير"، ويُمارَس بشكل خاص في العراق وإيران وبعض المناطق اللبنانية والآسيوية.

بين الدين والثقافة

يُقدّم بعض أتباع هذه الشعيرة مبررات دينية، معتبرين أنّ "التطبير تعبير عن أقصى درجات الولاء والتضحية، واستحضار لجراح الحسين، بل ومواساة رمزية له". بينما يرى آخرون أنه ليس سوى تقليد ثقافي تطوّر بمرور الزمن، دون أن يكون له أصل شرعي واضح في النصوص الإسلامية.

الفتوى... انقسام في المرجعيات

على المستوى الفقهي، انقسمت الآراء بين مراجع شيعية تاريخية أفتت بجواز التطبير إن لم يكن ضرره بالغًا، وبين مراجع معاصرة ترى فيه إساءة لصورة التشيّع.

المرجع الأعلى في النجف، السيد علي السيستاني، يدعو إلى تجنّب ما يسيء إلى المذهب في نظر الآخرين. أما المرجع اللبناني الراحل السيد محمد حسين فضل الله فقد أفتى صراحةً بحرمة التطبير، معتبرًا أنه "شعيرة تسيء إلى منطلقات الحسين الفكرية والإنسانية".

كذلك، أكد السيد علي الخامنئي، المرشد الإيراني، في أكثر من مناسبة رفضه للتطبير، ودعا الشيعة إلى استبداله بأعمال إنسانية كالتبرع بالدم وخدمة الفقراء.

بين جرح الرأس وإنقاذ الأرواح

في السنوات الأخيرة، ظهرت دعوات متزايدة داخل المجتمعات الشيعية لإحياء عاشوراء بطرق أكثر إيجابية ومعاصرة. حيث بات شعار "قطرة دم منك تُنقذ حياة" بديلًا عن النزف في الشوارع. فبدلًا من ضرب الجسد، يُشجّع الشباب على التبرع بالدم، وتنظيم حملات بيئية وطبية، أو تقديم الخدمات للمجتمع باسم الحسين.

من يمارسه؟

لا يُعدّ التطبير شعيرة موحدة بين الشيعة، بل يُمارس فقط من قبل فئات محدودة من الشيعة الإثني عشريّة، خصوصًا في بعض المدن العراقية ككربلاء والنجف، ويكاد يكون غائبًا بين الطوائف الأخرى مثل الزيدية والإسماعيلية. كما أن ممارسته تختلف من منطقة إلى أخرى، وتتراجع بين الأجيال الشابة بفعل التثقيف الديني الحديث والوعي الإعلامي.


يبقى التطبير بين من يراه "ولاءً نازفًا" ومن يراه "موروثًا بحاجة إلى مراجعة". وبين من يرفع السيف على الرأس، ومن يرفع راية الإصلاح في فهم الشعائر، تظل عاشوراء مناسبة للتأمل في معنى التضحية، ومناسبة متجددة لطرح السؤال الجوهري: كيف نحيي الحسين اليوم، دون أن ننزف صورته؟

يقرأون الآن