العراق آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

"سيدة سماء" العراق المجهولة.. من يقف خلف هجمات المسيّرات؟

في انعكاسٍ صارخ لانكشاف السيادة الجوية، تُسجّل خريطة العراق تصعيدًا أمنيًا غير تقليدي، تقوده ضربات صامتة بطائرات مسيرة وصواريخ متوسطة المدى، تستهدف مواقع استراتيجية تمتد من مطار كركوك إلى مصفى بيجي، وصولًا إلى موقع للبيشمركة في طاسلوجة بمحافظة السليمانية.

الخبير في الشؤون الاستراتيجية علي ناصر يرى في هذه التطورات نمطًا متكرّرًا، لكنه أكثر جرأة من السابق، إذ لم تعد الضربات غامضة التوقيت أو المكان، بل مدروسة وممنهجة وتضرب في قلب البنية السيادية للدولة، وبوسائل تتطلب إمكانات متقدمة، مشيرًا إلى أن المسافة المحدودة – أقل من 150 كم – التي قطعتها بعض الصواريخ، ونوعية الطائرات المستخدمة، تُعد مؤشرات تقنية قابلة للتتبع لو توفرت الإرادة السياسية والأمنية.

لكن المعضلة، وفق ناصر، ليست تقنية بل سياسية. فالتقاطع بين الجهات الأمنية، وتجميد القرار السيادي بفعل التوافقات، جعل من سماء العراق "مساحة رخوة" يمكن لأي طرف اختراقها، ثم الإفلات من المحاسبة.

ويذهب ناصر إلى ما هو أبعد من البعد العسكري؛ إذ يرى أن الهدف الأعمق هو تأجيج التوتر داخل الجغرافيا العراقية نفسها، من خلال ضرب قوات كردية في الشمال، تزامنًا مع استهداف مواقع اتحادية، بما يوحي بوجود مشروع يطمح إلى تفكيك الجبهة الأمنية العراقية من الداخل، سواء خدمةً لأجندات داخلية متمردة، أو مصالح خارجية تُدير المواجهة بالوكالة.

ويضيف: "ربما لا تكون جهة واحدة خلف هذه الهجمات. نحن أمام أكثر من فاعل، وأكثر من صراع، يجري على أرض واحدة، وداخل منظومة سياسية لا تملك الشجاعة لتسمية من يضربها".

في هذا السياق، دعا ناصر إلى إعادة فتح ملف اتفاق الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، ليس لمراجعته فنيًا فقط، بل لتقييم فعاليته كمظلة أمنية استخبارية، لا يبدو أنها منعت تغلغل المسيّرات في أجواء العراق. كما شدد على ضرورة إعادة تموضع القرار الأمني من جديد، عبر غربلة أسماء القادة الأمنيين في المناطق المستهدفة، وتحميلهم المسؤولية المباشرة عن أي تقصير في حماية المجال الجغرافي المكلفين به.

المفارقة، أن الدولة العراقية لا تزال في موقع الرصد لا الرد، تتابع الضربات، تدينها أحيانًا، وتصمت غالبًا، دون أن تُطلق رصاصة واحدة دفاعًا عن مجالها الجوي، أو تُعلن رسميًا الجهة التي تمارس هذا "العدوان الصامت".

وفي ظل هذه الهشاشة، أعلن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علاوي البنداوي، في تصريح لـ"بغداد اليوم"، أن اللجنة ستعقد اجتماعًا مطلع الأسبوع المقبل لمناقشة هذه التطورات، واستضافة القيادات العسكرية المعنية، مشيرًا إلى أن التصعيد الأخير في السليمانية "يستدعي وقفة جادة"، في ظل غياب تام لأي رواية رسمية تحدد طبيعة الطائرات، أو مسارها، أو من أطلقها.

ما لم يُعد تشكيل بنية الردع الجوّي العراقي، بمنظومة سيادية كاملة غير خاضعة للمجاملات السياسية، سيبقى العراق عرضةً لطائرات لا نعرف من أطلقها، ولا إلى من تنتمي، لكنها تعرف جيدًا أين تضرب... ومتى.

يقرأون الآن