على مدى عقود، عمل النظام الإيراني على بناء ما يُعرف بـ"محور المقاومة" في الشرق الأوسط، من خلال تمويل وتسليح وتدريب مجموعات مسلحة في لبنان، فلسطين، العراق واليمن، بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد إسرائيل وتحقيق نفوذ إيراني واسع في المنطقة. لكن، ومع تصاعد الأحداث الأخيرة، وفق مصدر إيراني مطلع طلب عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، فإن ما يُعرف بـ"محور المقاومة" يواجه اليوم أزمة هي الأعنف منذ تأسيسه، مع تراجع ملحوظ في الدعم المالي واللوجستي من طهران.
حزب الله
كان حزب الله اللبناني، ولسنوات طويلة، يُعتبر الجوهرة في تاج الاستراتيجية الإيرانية، حيث تلقى دعمًا ماليًا وعسكريًا هائلًا من طهران. لكن مع اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انكشف ضعف الدعم الإيراني للحزب. فخلال المواجهات التي استمرت حتى تشرين الثاني (نوفمبر)، تعرض حزب الله لخسائر كبيرة في صفوف قياداته وبنيته التحتية، دون أن يتلقى أي دعم فعلي من إيران. مصدر مقرب من حزب الله قال من لندن إن الدعم الإيراني اقتصر على بيانات إعلامية ولم يُترجم إلى دعم فعلي في الميدان، فترك المقاتلون لمواجهة مصيرهم وحدهم، ما أدى إلى تراجع قدرة الحزب على التأثير في مجريات المعركة.
الميليشيات العراقية والحوثيون
الميليشيات الموالية لإيران في العراق، والتي نفذت هجمات محدودة ضد أهداف إسرائيلية بعد هجوم حماس، سرعان ما أوقفت عملياتها بسبب ضغوط سياسية من الحكومة العراقية ورفض داخلي من بعض عناصرها لمواصلة القتال نيابة عن إيران.
أما في اليمن، فقد واصل الحوثيون هجماتهم ضد إسرائيل والملاحة الدولية، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة ضربات إسرائيلية وأميركية دون أي رد فعل أو دعم فعلي من طهران.
وفق دراسة منشورة حديثًا لمركز "Middle East Institute"، من المرجّح أن الحوثيين يتلقّون دعمًا أقل من إيران، بما في ذلك أسلحة ومكونات صواريخ ووقود، على الأقل في الفترة القصيرة إلى المتوسطة.
حماس والجهاد الإسلامي
في قطاع غزة، اعتمدت حركتا حماس والجهاد الإسلامي لسنوات على الدعم الإيراني المالي والعسكري. لكن مع تصاعد المواجهة الأخيرة، وجدتا نفسيهما معزولتين تقريبًا، حيث تراجعت المساعدات الإيرانية بشكل كبير، ولم تتلقيا سوى وعود إعلامية. بات معلومًا أن تراجع الدعم الإيراني يعود إلى ضغوط دولية وعقوبات اقتصادية خانقة، ما أدى إلى إضعاف قدرة الحركتين على الصمود والمواجهة.
الشعب الإيراني يدفع الثمن
في الوقت الذي أنفقت فيه إيران ما يقارب 500 مليار دولار خلال العقدين الماضيين على تمويل وتسليح هذه الجماعات، يعاني المواطن الإيراني من أزمات اقتصادية خانقة. مصدر إيراني مطلع طلب عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، أشار إلى أن هذه الأموال كان يمكن أن تُستخدم في إصلاح البنية التحتية المنهارة، ومعالجة أزمات المياه والكهرباء والصحة. اليوم، يواجه الإيرانيون انقطاعات متكررة في الكهرباء والمياه، وارتفاعًا حادًا في أسعار الأدوية والسلع الأساسية، بينما تذهب موارد البلاد لدعم حروب خارجية لم تحقق مكاسب ملموسة.
انهيار الثقة بين إيران ووكلائها
تشير تقارير إعلامية حديثة، منها ما نشرته الحدث السعودية، إلى أن اغتيال محمد سعيد إيزادي – المسؤول عن تحويل الأموال لحزب الله – في هجوم إسرائيلي داخل إيران، دفع الحزب للبحث عن مصادر تمويل بديلة. هذا التطور يعكس حجم فقدان الثقة بين إيران وحلفائها، الذين باتوا يدركون أنهم لن يحصلوا على الدعم عند الحاجة.
اليوم، يقف محور المقاومة الذي أنفق عليه النظام الإيراني ثروات هائلة على حافة الانهيار. لم يعد لدى هذه الجماعات القدرة أو الرغبة في القتال نيابة عن طهران، بينما تعجز إيران نفسها عن حمايتهم أو تقديم الدعم لهم. أما وطنياً، فالمواطن الإيراني يظل الخاسر الأكبر.