تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة خطابات الطائفية والكراهية، الأمر الذي بان يهدد السلم المجتمعي، وبينما تتوعد وزارة الداخلية باتخاذ إجراءات صارمة وحازمة ضد كل من يروج لمثل هذه الخطابات، برزت دعوات نيابية إلى تشريع قانون يجرم الطائفية، مع إغلاق الصفحات التي تدعو إليها.
وتزامن إثارة النعرات الطائفية مع قرب إجراء الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، في محاولة كما يصفها مراقبون لتحقيق مكاسب انتخابية من خلالها، فيما تزايدت خطورة التحريض إلى حد التماهي مع مشاريع قديمة تدعو لتقسيم البلاد على أسس طائفية، في وقت تشهد المنطقة تصعيداً خطيراً لخلق خارطة جديدة فيها.
وآخر تلك الخطابات، ما أعلنته وزارة الداخلية العراقية في 30 حزيران/ يونيو الماضي، باتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من المدعو عداي الغريري (إمام مسجد)، وعبد الحسين هيال الحاتمي (شاعر)، لنشرهما محتوى مخالفاً على مواقع التواصل الاجتماعي يتضمن خطابات طائفية وكراهية.
وجاءت هذه الإجراءات بعد ثلاثة أيام من مباشرة لجنة المحتوى الهابط في وزارة الداخلية، باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق عدد من المحرضين على الطائفية والكراهية.
وسبق محتوى إمام المسجد والشاعر، ما تقدم به ناشطين في 14 أيار/مايو الماضي، بشكوى إلى محكمة تحقيق الأمن في نينوى ضد الإعلامي سيف الخياط، المعروف باسم "سلام عادل"، متهمين إياه بإثارة النعرات الطائفية والإساءة إلى المكون السني خلال ظهوره الإعلامي ومنشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعليقاً على محاولات إثارة النعرات الطائفية، يقول النائب الشيخ ثائر مخيف الكتاب الجبوري، إن "الساسة الذين ليس لديهم إنجازات ويريدون البقاء في الحكم، يحاولون إثارة هذه النعرات الطائفية كي يتمحور عليهم من يجهل الوطنية والدين وكل ما من شأنه أن يوحد العراق".
ويدعو الجبوري مجلس النواب إلى "سن قانون يعاقب مثيري النعرات الطائفية، وعلى مفوضية الانتخابات استبعاد أي مرشح يثير الطائفية التي لم نغادرها إلا بشق الأنفس، وهي أداة من أدوات الاحتلال لتقسيم البلاد".
زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم
وهذا ما طالب به زعيم تيار "الحكمة" عمار الحكيم، في 30 أبريل/نيسان الماضي، إذ دعا إلى "التصدي لمن يريد الحصول على الصوت الانتخابي من خلال إثارة النعرات الطائفية"، مشيراً إلى أن "أهم منجز هو امتلاك العراق إلى الحصانة والمناعة من الخطاب الطائفي".
ولأهمية تشريع قانون يعاقب على إثارة الطائفية، أعلن النائب حميد الشبلاوي، في 28 حزيران/يونيو الماضي، عن جمع تواقيع نيابية لتشريع قانون تجريم الطائفية في مجلس النواب بأقرب وقت ممكن.
وأكد الشبلاوي في طلبه إلى رئاسة البرلمان، أن "الوقت حان لاتخاذ موقف قانوني حاسم تجاه هذه الآفة بما يعزز الوحدة الوطنية ويحمي السلم الأهلي ويمنع عودة الخطاب المحرض والممزق".
ويأتي طلب الشبلاوي بعد ثلاثة أشهر من دعوة رئيس البرلمان محمود المشهداني، في 21 آذار/ مارس الماضي، إلى تشريع قانون يجرم الطائفية في العراق، مع إغلاق وحجب وإزالة الصفحات والمنشورات والفيديوهات والتسجيلات التي تدعو للطائفية.
وأوضح المشهداني في مقال، أن "خطورة التحريض تزايدت إلى حد التماهي مع مشاريع قديمة تدعو لتقسيم البلاد، وفي الطريق إلى انتخابات نهاية عام 2025، نجد في هذا المشروع تصعيداً خطيراً بينما يعصف التغيير بالمنطقة التي نعيش فيها وتحدق بها الفوضى".
وهذا ما يحذر منه وكيل المرجعية في بغداد، وعضو الأمانة العامة لعلماء العراق، محمد خليل إبراهيم، الذي أوضح لوكالة شفق نيوز، أن "الطائفية مطية يركبها الاستعمار والدول المستكبرة، وهي لا تمت إلى الإسلام بشيء، فكل من نطق الشهادتين دمه وعرضه وماله محترم، لذلك يجب الحفاظ على وحدة المسلمين في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها ليس العراق فقط، بل الوطن العربي والأمة الإسلامية".
ويتفق رئيس مجلس أئمة وخطباء الأعظمية وضواحيها، الشيخ مصطفى البياتي، مع ما قاله محمد خليل، إذ يؤكد أن "الواجب الشرعي قبل أن يكون الواجب الوطني هو احترام بعضنا البعض، بل أن الدين الإسلامي نهى سب الذين كفروا حتى لا يسبوا المسلمين، لذلك تلك التصرفات مستنكرة ومدانة، وعلى الحكومة والقضاء محاسبة هؤلاء المجرمين والحفاظ على وحدة الشعب".
وتعاقب المادة (200) من قانون العقوبات العراقي المعدل التي وردت ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي بعقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات "كل من حرض أو حبذ، أو روج ما يثير النعرات المذهبية، أو الطائفية، أو حرض على النزاع بين الطوائف، والأجناس، والبغضاء، أو أثار شعور الكراهية بين سكان العراق".
كما عاقبت المادة (372) من قانون العقوبات العراقي المعدل التي وردت ضمن الجرائم التي تمس الشعور الديني بالعقوبة مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بالغرامة كل "من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية، أو حقر من شعائرها، أو من أهان علناً رمزاً، أو شخصاً هو موضع تقديس، أو تمجيد، أو احترام لدى طائفة دينية".
لكن الخبير القانوني، محمد جمعة، يوضح أن "الإجراءات القانونية تتم حالياً وفق المادة 372 وهي مس المعتقدات الدينية، وبالتالي تعتبر جنحة، والأفضل تكييفها وفقاً للمادة 200 بإثارة النعرات بين الشعب، باعتبارها جناية، إذ يجب اتخاذ إجراءات رادعة بحق كل من يثير النعرات الطائفية في البلاد".