مع تداول وسائل إعلام محلية تقارير تفيد باعتقال شخصين بتهمة "التجسس لصالح إسرائيل"، تصاعدت حالة من الجدل الأمني والسياسي في العراق، وسط صمت رسمي من الجهات المختصة وتضارب في الروايات. ففي الوقت الذي تحدّثت فيه مصادر عن شبكة تجسسية قيد التحقيق، نفت لجنة الأمن والدفاع النيابية صحة هذه المعلومات، واعتبرتها "شائعات تهدف إلى زعزعة الاستقرار".
ورغم غياب أي بيان رسمي من وزارة الداخلية أو جهاز المخابرات، فإن حالة الترقب تزداد، في ظل تكرار مثل هذه الملفات الحساسة في توقيتات سياسية دقيقة.
الأمن النيابية تنفي: لا اعتقالات ولا شبكات
أكد عضو لجنة الأمن والدفاع، ياسر وتوت، في حديث لـ"بغداد اليوم"، أن "الأنباء التي تتحدث عن اعتقال شخصين بتهمة التجسس لصالح إسرائيل لا أساس لها من الصحة، ولم يصدر أي تأكيد من الجهات الأمنية المختصة"، محذرًا من "وجود جهات داخلية تحاول بث الشائعات لخلط الأوراق وخلق ارتباك في المشهد العام".
وشدد وتوت على أن "الوضع الأمني مستقر، وما يُتداول لا يتعدى كونه محاولة لتضليل الرأي العام".
التحقيق جارٍ بشأن شبكة تجسس
في المقابل، ذكرت شبكة رووداو الكردية، نقلًا عن مصدر أمني، أن "الأجهزة الأمنية اعتقلت شخصين يشتبه بتورطهما في العمل لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي، وأن التحقيقات كشفت عن ارتباطهما بشبكة أوسع تنشط في أكثر من محافظة".
وأضاف المصدر أن "الملف يحظى بمتابعة مباشرة من جهات عليا"، مشيرًا إلى أن "هناك شخصيات أخرى تتحرك بسرية ويجري تعقّبها، وسط معلومات عن ضغوط سياسية للإفراج عن أحد الموقوفين".
ولم يصدر حتى لحظة إعداد هذا التقرير أي توضيح رسمي من الجهات المعنية يؤكد أو ينفي هذه الرواية.
تحذير من تكرار التجربة الإيرانية
وفي وقت سابق، كان السياسي المستقل عائد الهلالي قد حذّر من أن العراق "يمثل بيئة أمنية هشة" يمكن أن تكون ميدانًا خصبًا لنشاطات استخبارية إسرائيلية، على غرار ما حدث في إيران بعد الحرب الأخيرة مع تل أبيب.
وقال الهلالي في حديث سابق لـ"بغداد اليوم"، إن "إيران أعلنت تفكيك خلايا تجسسية مرتبطة بالموساد كانت قد اخترقت مؤسسات الدولة، ما دفعها إلى فرض رقابة مشددة على الإعلام والاتصالات والتنقلات"، معتبراً أن "هذا النموذج يُعدّ جرس إنذار للعراق الذي لا يملك منظومة أمنية موحدة أو أدوات سيبرانية متطورة".
وأضاف أن "الخطر لا يكمن فقط في الاختراق، بل في توقيت تفعيله، خصوصاً في حال اندلاع مواجهة إقليمية شاملة، أو ارتفاع مستوى التوتر الداخلي".
مراقبون: ورقة “التجسس” ستُستخدم لتصفية المعارضين
في سياق متصل، يرى مراقبون أن تصاعد الحديث عن خلايا تجسس إسرائيلية داخل العراق قد لا يخلو من بُعد سياسي. ويشيرون إلى أن هذه الورقة قد تُستخدم كسلاح لتصفية الخصوم أو إسكات الأصوات المعارضة، خاصة في ظل انقسام المشهد السياسي وتضارب الولاءات الأمنية.
ويحذّر هؤلاء من "تكرار النموذج الإيراني"، حيث تم خلال الأشهر الأخيرة اعتقال نشطاء وصحفيين ومعارضين سياسيين تحت ذريعة التخابر والتجسس، في وقت كانت فيه البلاد تمر بأزمة أمنية حساسة.
ويعتقد المراقبون أن إطلاق مثل هذه الملفات في توقيت سياسي معيّن، دون وجود شفافية في التحقيقات أو بيانات رسمية واضحة، قد يؤسس لمنهج "الاشتباه الانتقائي"، مما يهدد الحريات العامة ويُعطّل الثقة بين الدولة والمجتمع.
اختراق إيران وتداعياته
هذه التطورات جاءت بعد الإعلان الإيراني عن تفكيك شبكات تجسس مرتبطة بالموساد، بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل. وقد شملت تلك الشبكات أفرادًا تمكنوا من التسلل إلى مؤسسات أمنية وعسكرية عليا، بحسب ما كشفت عنه وسائل الإعلام الرسمية في طهران.
إيران، التي فرضت رقابة صارمة على وسائل الاتصال والسفر والإعلام، ما تزال تعاني من آثار الاختراق، الأمر الذي يثير مخاوف في دول الجوار من إمكانية استنساخ هذا السيناريو في مناطق أخرى، خصوصاً تلك التي تشهد فراغاً استخبارياً وتعددًا في القرار الأمني، مثل العراق.
في النهاية، يقف العراق مجددًا أمام معادلة معقّدة: روايات متضاربة، نفي رسمي، ومخاوف جدّية تتسرب بهدوء إلى الشارع والمجتمع السياسي. وبين احتمالات وجود شبكة تجسس حقيقية، أو توظيفها سياسيًا في الصراع الداخلي، تبقى الحقيقة مؤجّلة حتى إشعار آخر... أو حتى قرار رسمي يكشف كل الأوراق.