العراق

من دعوة أوجلان إلى تسليم السلاح.. إليك محطات انتقال "العمال الكردستاني"

من دعوة أوجلان إلى تسليم السلاح.. إليك محطات انتقال

في تحول تاريخي يمهد لمرحلة جديدة من مسار السلام مع الحكومة التركية، شهدت منطقة رابرين بمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق اليوم الجمعة انطلاق أولى خطوات نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

وتأتي هذه الخطوة استجابة لدعوة زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان، الذي طالب من سجنه في جزيرة إمرالي بإنهاء العمل المسلح المستمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، والدخول في العمل السياسي الديمقراطي.

على مدى أكثر من 4 عقود، خاض حزب العمال الكردستاني تمردا مسلحا ضد الدولة التركية أودى بحياة نحو 40 ألف شخص، فيما تصنفه أنقرة ودول غربية على أنه "منظمة إرهابية".

بيد أن المسار شهد تحولا حاسما منذ فبراير/شباط الماضي، عندما أطلق أوجلان نداء علنيا لمقاتليه بوقف القتال، تلاه في مايو/أيار إعلان الحزب حل نفسه رسميا.

خارطة طريق نحو السلام

جاء هذا التحول نتيجة خطوات ومحطات متعددة ساهمت في تهيئة المناخ لهذه اللحظة. ففي الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية -خلال افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان التركي- عن مبادرة "مصالحة وطنية"، ودعا نواب حزب المساواة والديمقراطية للشعوب الكردي إلى "فتح صفحة جديدة يسودها السلام". وفي اليوم التالي، أيّد الرئيس رجب طيب أردوغان المبادرة، مشددا على ضرورة توسيع نطاق الحوار السياسي.

وعاد بهتشلي في 22 من الشهر ذاته ليطالب برفع العزلة عن عبد الله أوجلان، معتبرا أنه وحده القادر على إعلان نهاية "الإرهاب" وحل الحزب، وبعدها بيوم، زار النائب عمر أوجلان -ابن عم الزعيم الكردي- سجن إمرالي لأول مرة منذ نحو 3 سنوات ونصف، مؤكدا أن "لدى أوجلان القدرة على تحويل مسار الصراع نحو السياسة إذا ما رفعت العزلة عنه".

وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قدم وفد من حزب الشعوب أول طلب رسمي لزيارة أوجلان، وفي 27 ديسمبر/كانون الأول، وافق وزير العدل التركي على اللقاء. وفي اليوم التالي، زار وفد قيادي من الحزب -يضم بيرفن بولدان وسري ثريا أوندر- الزعيم الكردي في إمرالي، حيث نقلوا عنه تأكيده أن "تعزيز الأخوة التركية-الكردية مسؤولية تاريخية".

تحركات ومشاورات

استُؤنفت الزيارات في 22 يناير/كانون الثاني 2025، تلتها زيارة وفد موسع في السابع من فبراير/شباط ضم أحمد ترك وتولاي حاتم أوغلو وتونجر باكيرهان، وأجرى مشاورات معمقة مع أوجلان حول المسار الجديد.

وفي 27 فبراير/شباط، أصدر أوجلان بيانا تاريخيا دعا فيه جميع الفصائل إلى إلقاء السلاح وحل حزب العمال الكردستاني والانتقال إلى العمل السياسي، معتبرا أن "الزمن قد تجاوز الكفاح المسلح".

استجاب الحزب للدعوة سريعا، فأعلن في الأول من مارس/آذار وقف إطلاق النار، وتبعه إعلان هدنة رسمية في الثالث من الشهر ذاته، لتبدأ رسميا عملية السلام.

وفي العاشر من أبريل/نيسان، التقى وفد من حزب الشعوب مع الرئيس أردوغان لبحث العقبات التي تواجه المسار ومناقشة آليات تجاوزه. وبعد مشاورات داخلية، أعلن حزب العمال الكردستاني في 12 مايو/أيار حل تنظيمه المسلح نهائيا. وقد رحب رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني بالخطوة، واصفا إياها بأنها "تاريخية وتفتح فصلا جديدا من التعايش".

وأعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في 14 مايو/أيار، استعداد بغداد وأربيل للتعاون مع أنقرة لتنظيم آلية تسليم الأسلحة.

مرحلة انتقالية دقيقة

مع اقتراب الصيف، بدأت الترتيبات الميدانية للمرحلة الانتقالية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين.

ففي 30 يونيو/حزيران، نشرت وكالة "فرات نيوز" بيانا أكدت فيه أن "أوجلان هو الوحيد القادر على توجيه المقاتلين لتسليم أسلحتهم"، وأفادت مصادر كردية بأن بين 20 و30 مقاتلا سيشاركون في مراسم التسليم المقررة بين الثالث والعاشر من يوليو/تموز.

وفي اليوم نفسه، أعلنت المتحدثة باسم حزب الشعوب عائشة غل دوغان أن "الخطوة التاريخية المتعلقة بنزع السلاح ستتم الأسبوع المقبل".

تزامن ذلك مع تحركات تركية على الأرض، زار رئيس المخابرات إبراهيم قالن أربيل في الأول من يوليو/تموز، والتقى قادة الإقليم لبحث ترتيبات المرحلة القادمة.

وفي السادس من يوليو/تموز، عاد وفد من حزب الشعوب لزيارة أوجلان في سجنه، ثم اجتمع في اليوم التالي بالرئيس أردوغان للتشاور بشأن مستقبل العملية السياسية.

وفي الثامن من يوليو/تموز، توجه قالن إلى بغداد، حيث اجتمع برئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الخارجية رشيد معروف. وأكدت مصادر عراقية دعم بغداد الكامل للمبادرة.

وفي التاسع من يوليو/تموز، ظهر عبد الله أوجلان في تسجيل مصور لأول مرة منذ اعتقاله عام 1999، وأعلن "طي صفحة الكفاح المسلح" ودعا إلى "التوجه الكامل نحو السياسة الديمقراطية واحترام سيادة القانون".

واليوم الجمعة 11 يوليو/تموز 2025، انطلقت مراسم تسليم الأسلحة في مدينة السليمانية، حيث أعلن الناطق باسم حزب العمال الكردستاني أن مجموعة من المقاتلين ستقوم بتدمير أسلحتها تحت إشراف مؤسسات مدنية، في حين أكد مسؤول كردي عراقي أن بعض الأسلحة ستحرق بشكل رمزي "لطمأنة الأتراك بأن السلام لا رجعة فيه".

يقرأون الآن