مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقرّرة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، تتكثف مساعي القوى الشيعية، ولا سيما من داخل "الإطار التنسيقي"، لإقناع زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، بإعادة النظر في قرار مقاطعة الانتخابات. إلا أن المؤشرات المتداولة حتى الآن تفيد بأن الصدر لا يزال ثابتاً على موقفه، وسط تأكيدات من محيطه بعدم وجود نيّة للعودة إلى السباق الانتخابي.
في هذا السياق، تبرز وساطات يقودها قادة سياسيون ودينيون، على رأسهم زعيم تيّار الحكمة عمار الحكيم، في محاولة لإعادة فتح قنوات التواصل مع مقر إقامة الصدر في النجف، المعروف بـ"الحنانة". وقد استعان بعض قادة الإطار برجل الدين مصطفى اليعقوبي، نظراً لعلاقاته المتوازنة مع مختلف الأطراف، لكن دون نتائج تُذكر حتى الآن.
بين الشروط الصدرية والخذلان السياسي
ورغم ما يُحكى عن انفتاح محدود على بعض النقاشات داخل "الحنانة"، بحسب مصادر قريبة من الصدر، لم يشهد الموقف المعلن أيّ تحوّل. وتفسّر دوائر مقربة من الصدر هذا الجمود بالإحباط الذي أصابه عقب تجربته السابقة في العمل السياسي، التي انتهت، بحسبهم، بخيانة التفاهمات الإصلاحية التي أبرمها مع شركائه.
وفي خطوة عكست هذا الشعور، أعلن الصدر أخيراً البراءة من عشرات الشخصيات التي كانت منضوية ضمن تياره، بسبب ترشحها على قوائم يعتبرها مرتبطة بـ"الفساد" والفصائل المسلحة. وجدّد شروطه المعروفة للعودة: تفكيك الميليشيات، تسليم السلاح للدولة، محاسبة الفاسدين، تقوية المؤسّسة الأمنية، وضمان استقلال القرار السياسي، وهي شروط يعتبرها خصومه "غير واقعية"، لكنها تمثل "الحدّ الأدنى" من وجهة نظر أنصار الصدر.
تكتيكات متعدّدة... بلا نتيجة
وفي مواجهة هذا العناد الصدري، تتحرّك قوى الإطار على ثلاثة خطوط متوازية:
أولاً، تقديم وعود بالمناصب والمكاسب السياسية مقابل العودة، في ما يشبه "صفقة شراكة" انتخابية.
ثانياً، محاولة تلميع صورة الصدر إعلامياً كقائد لا غنى عنه في الحياة السياسية، في محاولة لتحفيز "نزعته القيادية".
ثالثاً، التلويح بخطاب التخوين، من خلال التشكيك في ولائه للمكوّن الشيعي، وهو أسلوب قد يفضي إلى ردود فعل غير محسوبة.
لكن خبراء في الشأن العراقي يعتقدون أن مثل هذه الأساليب لن تُجدي مع رجل يتمسّك بعدم الانجرار وراء الضغط الجماهيري أو الإغراءات السياسية، ويراهن على مشروع "تغيير جذري" لا على العودة لمجرد المشاركة.
اللحظة الحرجة لم تأتِ بعد
مصادر مطلعة أفادت بأن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نفسه حاول مدّ الجسور مع الصدر، من خلال مبعوث شخصي يحمل رسالة تطلب دعماً انتخابياً مقابل "ضمانات" سياسية. إلا أن الرد جاء سريعاً عبر تدوينة مقتضبة على منصّة "إكس"، أصرّ فيها الصدر على موقفه، مرفقاً عبارته الشهيرة: "حشدنا لا يركع للفاسدين".
وفي موقف لافت، دعا الصدر أنصاره إلى تحديث بياناتهم الانتخابية، ما فسّره البعض على أنه لا يزال يحتفظ بأوراقه كاملة، مستعداً لاستخدامها في الوقت المناسب. ويؤكد أحد كبار مساعديه أن أي قرار بالمشاركة، سواء عبر تحالف مباشر أو قنوات غير رسمية، سيبقى رهناً بموقف شخصي من الصدر لا غير.
حتى اللحظة، لا معطيات تؤكّد تغيّر موقف "الحنانة". غير أن الكثيرين لا يستبعدون أن يُغيّر الصدر قراره إذا ما شعر بأن توازن النظام السياسي مهدّد أو أن غيابه سيُفسح المجال لانهيار وشيك في البنية الشيعية الوطنية. عندئذٍ، قد يتدخّل لا لإنقاذ الإطار، بل لحماية توازنات يعتبرها جوهرية لمستقبل العراق وتيّاره على السواء.