يرى خبيران في الشأن السوري أن نداء التعبئة الذي أطلقه قائد جبهة "أولي البأس" يمثل منعطفاً خطيراً في المشهد العسكري بالجنوب السوري، حيث تشير المعطيات الميدانية إلى تحضيرات مكثفة تسبق عمليات مسلحة محتملة.
ويشدد الخبيران على أن توقيت هذه الدعوة يكتسب أهمية خاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي المتزايد، واحتمال عودة النفوذ الإيراني من بوابة "المقاومة الإسلامية" في المنطقة، ما يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات يصعب التنبؤ بعواقبها.
وتتعدد تفسيرات هذه الدعوة بين من يربطها بمحاولة إيرانية لتعزيز نفوذها في سوريا عبر وكلاء جدد، على غرار "المقاومة الإسلامية في لبنان"، وبين من يعتبرها ورقة ضغط بموافقة ضمنية من دمشق لمواجهة التمدد الإسرائيلي دون تحميل القيادة السورية تبعات المواجهة المباشرة.
في هذا السياق، قال الباحث السياسي والمتخصص بالحركات الإسلامية، عبدالله سليمان، إن توجيه نداء التعبئة وفق تصريحات "أولي البأس" لم تأتِ من فراغ، بل أتت بعد أشهر من التخطيط والتحضير للبدء بعمليات على أرض الواقع، فيما يبدو أن الأولوية اليوم للكادر البشري واستقطاب قوات من الجنوب السوري لتشكيل بنية عسكرية قوية.
وأضاف سليمان، أن هذا النداء هو إعلان حرب على إسرائيل على خلفية توغلها في الجنوب السوري.
وفيما يتعلق بتوقيت هذا الظهور، بيّن سليمان أن هذا الأمر جاء تمهيداً لإعادة النفوذ الإيراني من بوابة جبهة المقاومة الإسلامية على غرار المقاومة اللبنانية، أو أنه بعلم سلطات دمشق لتخفيف التوترات في الجنوب السوري وعدم التصعيد مع إسرائيل، ما ينفي فرضية أن يقوم بأي عملية ضد قوات دمشق.
مؤشرات ودلائل
وبيّن الخبير أن الجبهة نفت أن يكون لأي جهة أي دور في هذا الأمر، رغم وجود عناصر من قواتها كانت في وقت سابق، أي قبل سقوط نظام الأسد، تتبع للحرس الثوري الإيراني، وهنا فإن كثرة المؤشرات والدلائل على ارتباط اسم إيران بطريقة أو بأخرى تشي بأن ثمة أمرًا ما يحدث؛ بهدف تعقيد المشهد وخلق بؤرة توتر قد تكون تبعاتها كارثية على الجنوب السوري، وفق قراءته.
وأوضح سليمان أن الجبهة تملك مراكز قيادة رئيسة في الجنوب السوري بقيادة العقيد نضال (أبو العباس)، وفي المنطقة الساحلية والوسطى بقيادة العميد منذر ونوس، وفي محافظة دير الزور بقيادة أبو جواد، الذي كان يقود مجموعة تابعة لإيران قبل سقوط النظام.
وختم الخبير حديثه بالقول إنه بحسب المعلومات، فإن الأيام القادمة ستشهد عمليات تنوي الجبهة تنفيذها، وهذا سيكشف القدرات القتالية لها وسيحدد كيفية مواجهتها، سواء من دمشق أو من إسرائيل.
بين دمشق وإسرائيل
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، مازن بلال، إن هذا الإعلان ليس مفاجئاً، إذ سبق وأن تم الإعلان في يناير/كانون الثاني الماضي عن بدء هذا التشكيل، ولكن تحت اسم مختلف، وعودته الآن فيما يبدو أنه أصبح أكثر تنظيماً وربما قوة، للبدء بعملياته التي أعلن عنها، والتي هي بالأساس موجهة ضد التوغل الإسرائيلي وليس ضد دمشق.
وأضاف بلال، أن ما يؤكد ذلك خروج التشكيل من الجنوب السوري، ما يعني دون أدنى شك أن المقصود هو القوات الإسرائيلية فيما وصفوه بالتمادي ما بعد القنيطرة، خاصة أن القنابل المضيئة تُرمى يومياً في درعا، ما يضع المشهد أمام واقع جديد، هذا ربطاً مع الجهة التي تموّل هذا التنظيم ودخول لاعب جديد إلى المعادلة.
العامل الإيراني
وبيّن بلال أن التفسير المنطقي لهذا النداء يعني أنه قد يكون مدفوعاً من جهات خارجية، مرجحاً أن إيران قد يكون لها دور في ذلك، وربطاً مع وجود مخيم فلسطيني في المنطقة، فإن ذلك يعني حكماً وجود بعض المنضوين تحت لواء حركة حماس الفلسطينية، وهذا قد يفتح مدخلاً للتدخل الخارجي مجدداً، بحسب تفسيره.
وختم بلال حديثه بالقول إن هذا الإعلان يعني زيادة وتيرة التدخل الإسرائيلي في الجنوب، كما يعني إحراج أكبر للقيادة السورية الجديدة؛ إما التنصل أو المساعدة في ردع العدوان الإسرائيلي، وفق تعبير هذه الجهة.
وأكد أن هذا سينعكس سلباً، خاصة مع تدخل قوات التحالف الدولي في السويداء إلى جانب الفصائل الدرزية، ما قد يشعل فتيل المنطقة، وقد يكون سبباً لاجتياح بري إسرائيلي.