العراق آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

نزع السلاح في العراق يصطدم بالولاءات: "الحشد" يختلف عن "الحزب"

نزع السلاح في العراق يصطدم بالولاءات:

أثار القرار اللبناني الأخير القاضي بإنهاء الوجود المسلح خارج سلطة الدولة، بما في ذلك سلاح حزب الله، ردود فعل محلية وإقليمية متباينة، وسط ترحيب أميركي وتحفظ داخلي حاد، لا سيما من الحزب ذاته الذي اعتبر الخطوة "خطيئة كبرى".

وأعادت هذه التطورات الجدل إلى الساحة العراقية بشأن إمكانية تكرار النموذج اللبناني في بغداد، وسط مطالب متجددة بحصر السلاح بيد الدولة، وتفكيك الفصائل المسلحة الخارجة عن المؤسسة العسكرية.

لكن خبراء أمنيين وقانونيين عراقيين يرون أن تعقيدات الواقع السياسي في العراق وتداخل النفوذ الإقليمي، لا تسمح بمثل هذه الخطوة في الوقت الراهن.

غياب الإرادة السياسية، وهيمنة قوى نافذة داخل الحكومة، إلى جانب الدعم الإيراني للفصائل، تمثل – بحسب المختصين – عوائق جوهرية أمام أي محاولة لحصر السلاح بيد الدولة، رغم أن القوانين العراقية تجرّم حيازة أو استخدام أي سلاح خارج الإطار الرسمي.

نزع سلاح حزب الله

وأقرت الحكومة اللبنانية، أمس الخميس، الأهداف العامة للورقة الأميركية الخاصة بتثبيت اتفاق وقف الأعمال العدائية، بما يشمل إنهاء الوجود المسلح في البلاد، بما فيه سلاح حزب الله، وتكليف الجيش إعداد خطة لذلك قبل نهاية العام.

القرار أثار انقساماً داخل الحكومة، مع انسحاب خمسة وزراء بينهم ممثلون عن حزب الله، الذي رفض الخطوة واعتبرها "خطيئة كبرى"، مؤكداً أن الاتفاق الوحيد القابل للتطبيق حالياً هو وقف إطلاق النار، ومطالباً بانسحاب إسرائيل من مواقع حدودية.

الولايات المتحدة رحّبت بالقرار، واعتبره مبعوثها توم براك "تاريخياً وجريئاً"، مؤكداً أنه يكرّس مبدأ "وطن واحد وجيش واحد"، في إطار اتفاق يشمل أيضاً إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية وسحب قواتها من الجنوب.

هل ممكن في العراق؟

ويؤكد الخبير القانوني محمد جمعة أن القوانين العراقية، بما فيها قانون الأسلحة وقانون العقوبات، تجرّم بشكل واضح حيازة أو استخدام أي سلاح خارج إطار الدولة، مشدداً على أن ذلك يعد جريمة يعاقب عليها القانون.

ويوضح جمعة، أن "وجود أي سلاح خارج منظومة الدولة هو عمل غير قانوني، سواء كان مرخصاً ويُستخدم دون إذن رسمي، أو غير مرخص أصلاً"، مضيفاً أن العقوبات تكون أشد في حال حيازة أو استخدام أسلحة حربية أو هجومية.

ويشير إلى أن استخدام السلاح دون توجيه أو أمر من الدولة، حتى وإن كان مرخصاً، يندرج تحت جريمة العصيان، مما يمنح الدولة الحق الكامل في تفكيك أي سلاح خارج سلطتها وتفعيل القوانين ذات الصلة لمحاسبة المخالفين.

عقدة الهوية والسياسة

أما من الجانب الأمني والسياسي، يرى الخبير الأمني والاستراتيجي أحمد الشريفي أن إمكانية تكرار النموذج اللبناني في العراق، عبر تفكيك سلاح الفصائل وحصره بيد المؤسسة العسكرية، تبدو مستبعدة حالياً في ظل غياب الإرادة السياسية، وهيمنة قوى المحاصصة، وعلى رأسها الإطار التنسيقي، الذي يشكل الحاضنة السياسية للحكومة.

ويقول الشريفي، إن الحكومة، كونها إحدى مخرجات الإطار، لا يمكن أن تتخذ قراراً يتعارض مع مصالح هذا التيار أو مع الرغبة الإيرانية، مضيفاً أن أي محاولة حكومية لـ"التمرد" على هذه المنظومة ستُواجه بالرفض.

وفيما يخص التجربة اللبنانية، يشير إلى أنه من المبكر الحكم عليها، معتبراً أنها لا تزال في إطار التصريحات الحكومية، متسائلاً عن مدى قابليتها للتنفيذ في ظل الرفض الصريح من حزب الله، واحتمالية حدوث اشتباك مع الجيش اللبناني.

ويلفت إلى أن الفصائل في العراق، مثل حزب الله في لبنان، ترى أن السلاح جزء من هويتها ووجودها السياسي، ما يجعل التخلي عنه أمراً غير واقعي في الوقت الراهن.

ويحذر الشريفي من أن أي محاولة لحل الفصائل بالقوة قد تقود إلى صدام مباشر مع الدولة، أو إلى تدخل خارجي، خاصة من الولايات المتحدة أو إسرائيل، عبر ضربات تستهدف مقار الفصائل وقياداتها ومستودعات أسلحتها، في حال عجزت الحكومة عن فرض سيطرتها.

لا ينطبق على العراق

وفي الموقف نفسه، يؤكد الخبير الأمني علاء النشوع أن النموذج اللبناني في حصر السلاح بيد الدولة لا يمكن تطبيقه في العراق، نظراً لاختلافات جوهرية في السياقين السياسي والعسكري.

ويوضح النشوع أن الفصائل المسلحة في العراق لم تخض حرباً ضد إسرائيل كما فعل حزب الله، كما أن إمكاناتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية تختلف تماماً عن تجربة الحزب في لبنان.

ويضيف أن البنية السياسية والحزبية في العراق أكثر تعقيداً، حيث إن بعض مكونات الدولة تدعم بقاء الفصائل وتفضلها على المؤسسة العسكرية.

ويشير إلى أن ضعف الدولة العراقية في مواجهة الفصائل يعود إلى النفوذ الإيراني المتغلغل في مؤسساتها، وغياب الدعم الإقليمي والدولي الكافي للحكومة، ما يجعل قدرتها على تفكيك السلاح خارج سلطتها محدودة جداً، خصوصاً في ظل التهديدات التي تواجهها من تلك الفصائل.

وتُظهر مواقف الخبراء أن النموذج اللبناني في نزع السلاح وحصره بيد الدولة، رغم أنه خطوة جريئة في سياقه، لكن لا يبدو قابلاً للتطبيق في العراق في الوقت الراهن.

إذ أن العقبات لا تقتصر على الجانب القانوني، بل تشمل تعقيدات سياسية وأمنية أبرزها غياب الإرادة السياسية، والنفوذ الإقليمي، وارتباط الفصائل المسلحة بقوى داخل النظام.

ويتفق المتحدثون على أن اختلاف البيئة العراقية عن اللبنانية يجعل "نزع السلاح" تحدياً معقداً، يتطلب تحولات سياسية وضمانات داخلية وخارجية.

الحشد يختلف عن الحزب

وفي السياق ذاته، يرى الباحث في الشأن الدولي، المحلل السياسي اللبناني محمد حنية، أن "الجيش اللبناني لم يتفق على نزع السلاح، والقرار اتُخذ من قبل مجلس الوزراء فقط".

وأوضح أن "مجلس الوزراء ناقش الورقة الأميركية، ووضع جانباً مذكرة التعهد اللبنانية، ولم يتخذ القرار بإجماع مكوناته، خصوصاً أن هناك طرفاً أساسياً يمثل الطائفة الشيعية وتيار المقاومة قد انسحب من الجلسة، ما أدى إلى عدم اكتمال النصاب".

وأضاف أن "الورقة الأميركية لم تُقرّ بالكامل، بل حدد مجلس الوزراء الأهداف العامة فقط، وتم تكليف الجيش اللبناني بإعداد خطة لكيفية حصر السلاح بحلول 31 آب/أغسطس، على أن تُعرض لاحقاً على مجلس الوزراء".

ونبّه حنية، إلى أن "الوضع في لبنان لا يزال في طور الإنشاء، ولا يمكن تعميم التجربة على دول المنطقة قبل اتضاح صورتها النهائية"، محذراً من أن "الضغط الدولي على الحكومة اللبنانية يهدف إلى تعميم التجربة على العراق وسوريا، رغم الفوارق الجوهرية بين هذه الدول".

وأشار إلى أن "الوضع في العراق مختلف، فهناك اتفاق واضح بين الحكومة والحشد ضمن إطار مؤسسات الدولة، وتجربة ناجحة في دحر الإرهاب، بينما في لبنان لا يوجد اتفاق صريح بل نوع من المساكنة السياسية".

وختم بالقول إن "وضع الحشد الشعبي في العراق أكثر وضوحاً، ولا توجد أراضٍ محتلة من إسرائيل كما في لبنان، ما يجعل الحديث عن ضبط السلاح في العراق مرتبطاً بمخاطر أمنية قادمة من سوريا، ويمكن معالجته ضمن استراتيجية دفاعية تندرج تحت قرار الدولة".

يقرأون الآن