دماء شهداء الجيش اللبناني التي سقطت في مجدل زون على مذبح السلاح غير الشرعي بداية مرحلة دقيقة يريدها "حزب الله" على ما يبدو مغمسة بالفوضى ولو على حساب المؤسسة العسكرية.
مخزن السلاح كانت قد كشفت عليه الكتيبة الفرنسية منذ فترة، وكذلك الجيش بما معناه أن دخول هذا العدد من أفراد الجيش جاء في إطار الاطمئنان إلى أن لا مخاطر في الداخل قبل أن يحصل الانفجار وفق ما ورد في "نداء الوطن".
الأكيد أن هذه بداية جلجلة وحدة البندقية تحت راية الدولة في وقت توقع خبراء عسكريون أن يعمل "حزب الله" بكل إمكانياته مستقبلًا لعرقلة أي تحرك عسكري على الأرض وصولًا إلى ارتكاب المحظور.
على كل حال، القراران الصادران عن مجلس الوزراء حول حصرية السلاح لا رجوع عنهما، وهما محصنان بالشرعيتيّن القانونية والدولية.
قراءة في مضمون القرارين
تضمن القراران الصادران عن مجلس الوزراء، الأول بتاريخ 5 آب 2025 والثاني 7 آب 2025، تأكيدًا على التمسك باتفاق الطائف كمرجعية دستورية وسياسية، وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701، لا سيما الفقرة المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية. كما تضمّنا دعوة المجلس الأعلى للدفاع لوضع جدول زمني يشمل معالجة ملف السلاح كافة، إضافة إلى الالتزام بوقف الأعمال العدائية والتشديد على التنسيق مع قوات "اليونيفيل".
وفي مقارنة مع قرار وقف الأعمال العدائية السابق الذي صدر عن مجلس الوزراء في سياق حرب تموز 2006، فإن الأخير جاء كترجمة مباشرة للقرار 1701، وركّز على الالتزام الفوري بوقف النار وانتشار الجيش في الجنوب. أما القراران الجديدان، فهما أوسع من حيث الإطار السياسي والأمني، إذ يربطان بين الطائف و1701 ويضيفان بعدًا استراتيجيًا عبر الدعوة لوضع جدول زمني لمعالجة السلاح الفلسطيني، ما يوسّع دائرة البحث إلى ما بعد الجنوب.
العبرة بالتنفيذ... السيناريوات المتوقعة
في السياق اللبناني، التحدي الدائم ليس في النصوص بل في التنفيذ. التاريخ السياسي والأمني منذ 1990 يثبت أن القرارات المماثلة بقيت رهينة التوازنات الداخلية والإقليمية، حيث تداخل الحسابات الحزبية والمحاور الإقليمية يحول دون التطبيق العملي. العبرة الحقيقية ستكون في قدرة الحكومة على ترجمة هذه القرارات إلى خطوات عملية تشمل جمع السلاح غير الشرعي، وضبط الحدود، وإرساء سلطة الدولة الفعلية.
من هنا، أمام لبنان أربعة سيناريوات محتملة لمسار تنفيذ القرارات المتعلقة بسلاح "حزب الله" وترتيبات الجنوب، تتراوح بين الحل الشامل والانفجار العسكري، ولكل منها انعكاساته على الاستقرار الداخلي والإقليمي.
السيناريو الأول هو الحل الشامل، حيث تنجح الحكومة في نزع سلاح "حزب الله" بالكامل وتنسحب إسرائيل من النقاط المتبقية، ويُنجز ترسيم الحدود البرية والبحرية، ما يفتح الباب أمام دعم دولي وخليجي واسع لإعادة إعمار البنية التحتية وإنعاش الاقتصاد. النتيجة تكون استقرارًا أمنيًا واقتصاديًا، وتراجعًا لنفوذ إيران في لبنان، وتحوّل "حزب الله" إلى حزب سياسي صرف. على الأرض، تبدأ خطوات ميدانية محدودة مثل تعزيز وجود الجيش جنوب الليطاني وضبط الحدود، والانطلاق شيئًا فشيئًا لمعالجة ملف السلاح شمال الليطاني انطلاقًا من الجنوب على أن تبدأ هذه المرحلة في تشرين الأول المقبل. ومن ثم تتم المباشرة بفرض الشرعية على المخيمات الفلسطينية في العاصمة وضاحيتها وتأمين تنظيف هذه المخيمات بالكامل كي لا يهرب جزء من أسلحة "حزب الله" إلى داخل هذه المخيمات. بعد ذلك تتابع العمليات في الضاحية والمناطق التي تقع تحت سيطرة "الحزب".
هذا السيناريو يحتاج إلى إرادة داخلية صلبة أمام استفزازات "حزب الله"، أو صفقات دولية معقدة وتحديدًا على الخط الإيراني.
السيناريو الثاني هو التسوية الجزئية، ويتمثل في تخفيض القدرات العسكرية النوعية لـ "الحزب" (التخلي عن الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة الهجومية) مع بقاء سلاح فردي أو متوسط تحت ترتيبات دفاعية، ودمج جزء من عناصره بالجيش. في المقابل، تقدم إسرائيل تنازلات محدودة ويُمدّد وقف الأعمال العدائية لسنوات. هذا السيناريو يعزز جزئيًا سلطة الدولة، ويحافظ لـ "الحزب" على نفوذه السياسي، لكنه موقت وقابل للتآكل. وهو مرفوض دوليًا حتى الآن.
السيناريو الثالث هو المراوحة، حيث يفشل التنفيذ الفعلي للقرارات، فيبقى السلاح كما هو وتستمر حالة وقف النار من دون تقدم سياسي أو أمني. النتيجة هي استمرار الجمود والانقسام الداخلي، وتوقف الدعم الدولي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وتعميق واقع "الدولة داخل الدولة". هذا السيناريو هو الأكثر خطورة على الوضع اللبناني داخليًا وخارجيًا ومستبعد أمام إصرار معظم القوى السياسية على نزع السلاح والغطاء الدولي العارم له.
السيناريو الرابع هو المواجهة الشاملة، وينطوي على صدام داخلي بين "حزب الله" والجيش أو حرب واسعة مع إسرائيل. انعكاساته كارثية: دمار شامل، نزوح داخلي وخارجي، انهيار مؤسسات الدولة، وتدخلات إقليمية ودولية. ويبقى واردًا في حال سوء الحسابات أو حصول استفزاز كبير، ويعمل الرئيس جوزاف عون والرئيس نواف سلام على تفاديه والسير بين ألغامه.
في الخلاصة، السيناريو الأول هو الذي ينفذ حاليًا، ونجاحه مرهون بقدرة الدولة على تجاوز القيود الداخلية وإسكات الوقاحة الإيرانية التي تعمل على تأليب اللبنانيين على بعضهم البعض."والعبرة بالتنفيذ" بحسب "نداء الوطن".