العراق آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

ظلام دامس يلفّ العراق.. 22 عاماً من معاناة الكهرباء

ظلام دامس يلفّ العراق.. 22 عاماً من معاناة الكهرباء

غرق العراق في ظلام دامس امتد من بغداد إلى معظم المحافظات، بعد انطفاء تام للمنظومة الكهربائية الوطنية نتيجة خلل في خط 400 ك.ف في محافظة بابل، ما أعاد إلى الواجهة واحدة من أكثر الأزمات المزمنة التي أثقلت كاهلهم منذ أكثر من عقدين.

محافظ البصرة، أسعد العيداني، أكد في حديث خاص لـ"بغداد اليوم"، أن الخلل الذي أصاب خط 400 في بابل أدى إلى توقف المنظومة بالكامل، مشيرًا إلى أن هذا الخط يعد محورًا حيويًا في توزيع الطاقة على عموم البلاد. وأوضح أن الفرق الفنية باشرت العمل على إعادة الخدمة تدريجيًا، وأن الكهرباء بدأت تعود بالفعل في بعض المناطق. ونفى العيداني ما تردد عن قطع التيار الكهربائي بأمر من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مؤكدًا أن وزير الكهرباء يعمل بكفاءة عالية في إدارة الملف.

وفي السياق نفسه، أوضح مدير عام كهرباء الجنوب، غيث نجم، أن الانقطاع كان نتيجة "خلل فني عارض"، مشيرًا إلى أن الموقف إيجابي، وأن التيار سيعود تدريجيًا خلال ساعة أو ساعتين. كما أعلن مدير عام نقل الطاقة في المنطقة الجنوبية، علي زهير، أن أربع محافظات جنوبية بدأت تشهد عودة تدريجية للكهرباء، وسط جهود مكثفة لإعادة المنظومة إلى كامل طاقتها.

معاناة مستمرة منذ 2003

يعيد هذا الانطفاء العام إلى أذهان العراقيين سلسلة الأزمات المتكررة في قطاع الكهرباء منذ عام 2003، إذ لم تفلح الحكومات المتعاقبة في وضع حد نهائي لهذه المشكلة، رغم إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على مشاريع الإنتاج والنقل والتوزيع. وبينما تتزايد معدلات الطلب على الطاقة مع نمو عدد السكان وارتفاع درجات الحرارة في الصيف، تبقى المنظومة الوطنية عاجزة عن تلبية الاحتياجات، ما يدفع المواطنين للاعتماد على المولدات الأهلية بتكاليف مرتفعة.

وخلال السنوات الماضية، تعهدت الحكومات بتنفيذ مشاريع استراتيجية، من بينها الربط الكهربائي مع دول الجوار، وإدخال محطات إنتاج جديدة، وتطوير الشبكات، لكن هذه المشاريع واجهت عراقيل تتراوح بين الفساد الإداري والمالي، وسوء التخطيط، والظروف الأمنية، فضلًا عن الاعتماد المستمر على الغاز المستورد لتشغيل المحطات، ما يجعل الإمدادات عرضة للتأثر بالأزمات الإقليمية.

تحولت مواسم الصيف في العراق إلى اختبار قاسٍ لمنظومة الكهرباء، حيث تزداد الأحمال بشكل كبير مع تشغيل أجهزة التبريد على مدار الساعة، ما يؤدي إلى أعطال متكررة وانقطاعات طويلة. وفي ظل غياب الحلول المستدامة، تبقى هذه الأزمة جزءًا من المشهد اليومي، يفاقمها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ويزيد من الضغوط على الحياة المعيشية للمواطنين.

يرى مختصون أن حل أزمة الكهرباء في العراق يتطلب استراتيجية شاملة، تبدأ بتحديث البنية التحتية للشبكة، وتنويع مصادر الطاقة، واستثمار الطاقات المتجددة، إلى جانب مكافحة الفساد وتفعيل الرقابة على العقود. ويؤكدون أن التجارب الدولية تثبت أن الإصلاح الجذري ممكن، لكن بشرط توفر الإرادة السياسية والاستقرار الأمني.

ومع انطفاء اليوم، يجد العراقيون أنفسهم أمام مشهد مألوف، حيث يعود الظلام ليذكّرهم بأن أزمة الكهرباء ما زالت جرحًا مفتوحًا، وأن الوعود لم تتحول بعد إلى واقع ملموس.

يقرأون الآن