بري: الإستقالة من الحكومة غير واردة

ستظلّ ترددات قرار مجلس الوزراء بحصر السلاح في يد الدولة وسحبه من «حزب الله»، تفرض إيقاعها لفترة طويلة على الساحة السياسية التي سادها أخيراً التشنج والاحتقان، من دون أن تفلت الأمور من السيطرة بعد.

يبدو لبنان أمام مرحلتين من الانتظار الثقيل: الأولى تتصل بترقّب الخطة التي سيرفعها الجيش إلى مجلس الوزراء قبل نهاية الشهر الجاري لحصر السلاح في حوزة الدولة، والثانية تتعلق باختبار قدرة السلطة على تطبيق تلك الخطة خلال الفترة الممتدة بين 31 آب و31 كانون الأول المقبل، تبعاً للجدول الزمني الذي وضعته، وسط رفض «حزب الله» التام لمبدأ تسليم السلاح وفق ما ورد في "الجمهورية".

بهذا المعنى، كان «حزب الله» حاسماً في رفض قرار الحكومة بسحب سلاحه، إلى درجة أنّ رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد ردّ على القرار بمعادلة قاطعة قوامها: «الموت ولا تسليم السلاح وروحوا بلطوا البحر».

بالنسبة إلى «الحزب»، هناك ثابتتان تحكمان مقاربته لهذا الملف: الأولى، لا بحث في أصل قضية السلاح قبل وقف الاعتداءات وانسحاب العدو الإسرائيلي من التلال الخمس المحتلة وإطلاق سراح الأسرى، على قاعدة أنّه لا يجوز الانتقال إلى اتفاق جديد قبل أن تنفّذ تل أبيب اتفاق وقف الأعمال العدائية. اما الثابتة الثانية، ففحواها أنّ اي نقاش حول مصير السلاح يجب أن يكون محكوماً بسقف استراتيجية دفاعية تندرج ضمن استراتيجية أمن وطني، تستفيد من عوامل القوة المتوافرة لدى لبنان ومن بينها المقاومة لحماية البلد وسيادته، مع إبداء الاستعداد لتسهيل الوصول إلى صيغة مرنة حتى أقصى الحدود الممكنة.

بناءً عليه، يعتبر «حزب الله» انّه غير معني لا من قريب ولا من بعيد بأي خطة أو جدول زمني لسحب سلاحه، ما يدفع إلى التساؤل حول قدرة الدولة على تسييل شيك سحب السلاح الذي يبدو حتى الآن بلا رصيد لغياب «ملاءة» التفاهم مع «الحزب».

وإزاء الصعوبات الجمّة التي ستواجه تنفيذ القرار الحكومي، هناك من ذهب في تقديراته إلى الاستنتاج بأنّ وظيفة القرار الفعلية هي تنفيس الضغوط الدولية والإقليمية على رئاستي الجمهورية والحكومة، ونزع الشرعية الرسمية عن السلاح وليس سحبه في حدّ ذاته، لأنّ من اتخذ القرار يعرف جيداً انّ هناك استحالة لتطبيقه في ظل اعتراض الحزب عليه من جهة، وعدم امتلاك السلطة من جهة أخرى القدرة او ربما الإرادة لتطبيقه بالقوة العسكرية، الّا إذا أراد البعض أن يغامر بجرّ البلد إلى حرب أهلية وبجرّ الجيش إلى مغامرة غير مضمونة النتائج.

وغالب الظن، انّ «الثنائي» الشيعي الذي سجّل موقفاً مبدئياً عالي السقف ضدّ ما صدر عن مجلس الوزراء، سيرصد الخطوة التالية من الحكومة ليبني على الشيء مقتضاه وليحدّد مسارات الردّ المحتملة سواء داخل المؤسسات او في الشارع.

وكان لافتاً انّ «الثنائي» ضبط ردود أفعاله العملية على رغم من غضبه الشديد، واكتفى حتى الآن بتوجيه رسائل سياسية حادة إلى الذين يعنيهم الأمر، متفادياً حتى إشعار آخر خياري الخروج الكلي من الحكومة او التصعيد المنظّم في الشارع.

وضمن هذا السياق، يؤكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الجمهورية»، انّ «الاستقالة من الحكومة غير واردة»، لافتاً إلى أنّ دقّة الظروف الاستثنائية التي يمرّ فيها لبنان تستوجب تحلّي جميع الأطراف بأعلى درجات المسؤولية والحكمة.

وهاجس بري في هذه الأيام هو ألّا تتحول الأزمة المستجدة فتنة مذهبية يتمناها العدو الإسرائيلي، ولذا كان حريصاً على الدفع في اتجاه ضبط الخطاب السياسي على إيقاع هذه «النوتة» تحديداً.

وهكذا يوحي «الثنائي» انّه لا يستعجل حرق أوراقه، وإن كان يلوّح بها أحياناً كما فعل النائب رعد من باب الضغط والتحذير تجنباً للأسوأ. وبالتالي فإنّ الفريق الشيعي يميل إلى خوض معركته بنَفَس طويل، مستفيداً من تجاربه السابقة في هذا المجال.

وتتساءل أوساط هذا الفريق عن سبب استعجال الحكومة تنفيذ ورقة الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك ووضع مهل لذلك، في حين أنّ تلك الورقة لم تحصل بعد على موافقة الكيان الإسرائيلي وسوريا المرتبطين بعدد من بنودها.

يقرأون الآن