منذ خمس سنوات، يعيش ويليام نون على إيقاع مواجهة مستمرة مع منظومة سياسية وأمنية يعتبرها مسؤولة، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طمس الحقيقة في قضية شقيقه جو نون، أحد ضحايا انفجار مرفأ بيروت.
تلك المواجهة التي بدأت بفقدانه، تحوّلت سريعًا إلى معركة وجودية، لا فقط من أجل العدالة لشقيقه، بل من أجل ما تبقّى من فكرة العدالة في بلد يُدفن فيه التحقيق كما يُدفن الموتى، بلا عزاء حقيقي.
صباح الجمعة، تلقّى نون استدعاءً جديدًا إلى التحقيق من قبل المباحث الجنائية المركزية، بناءً على إخبار قدّمه محامٍ يُعرّفه نون بوضوح بأنه "تابع لحزب الله".
الإخبار يتّهمه بإثارة النعرات الطائفية وخرق قانون مقاطعة إسرائيل، استنادًا إلى كلمته في ذكرى انفجار 4 آب الماضي.
مرة أخرى، يجد نون نفسه داخل دوامة الاتهام، لأنه أصرّ على تحميل المسؤوليات لمن يعتقد أنهم يعرقلون العدالة، وفي طليعتهم حزب الله.
اللافت أن التهمة الأخطر التي وُجهت إليه، "التعاطف مع إسرائيل"، ينفيها نون جملة وتفصيلًا، مشيرًا إلى أنه لم يأتِ على ذكر إسرائيل في كلمته، لا تصريحًا ولا تلميحًا، وأن ما قاله كان ببساطة إن ضحايا الانفجار ليسوا من طائفة واحدة، وأن أهالي الضحايا الشيعة، كما المسيحيين والسنة، يحق لهم أن يعرفوا من قتل أبناءهم.
نون لا ينكر خصومته مع حزب الله، بل يعلنها بصوت واضح، ويرى أن الاستدعاء الحالي ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من التضييق والاستهداف، بدأ منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها أن يتكلّم.
لا يكتفي باتهام الحزب بعرقلة التحقيق، بل يذهب أبعد، فيعتبر أن "وضعه العسكري انتهى" وأنه "يجب حله" لما يشكّله من خطر على استقلال الدولة ومؤسساتها.
في هذا السياق، يعتبر نون أن المواجهة ليست قانونية أو قضائية بالمعنى التقليدي، بل سياسية بامتياز، وتدور حول سؤال جوهري: من يملك القرار في لبنان؟ القضاء أم السلاح؟
في رده على الاتهامات، لا يُظهر نون أي تردّد. يؤكد أنه سيمثل أمام التحقيق لأنه "بريء"، ولا يخشى شيئًا، ليس فقط لثقته بنفسه، بل لقناعته بأن هذه المعركة لا تُخاض من أجل الذات، بل من أجل قضية عامة، هي كشف من فجّر بيروت. بين سطور كلماته يظهر بوضوح أنه تعب من حملات الشتم والتهديد والتشويه التي يتعرض لها، لكنه لا يزال ممسكًا بخيط الأمل الوحيد المتبقي: الحقيقة.
التوتر بين نون وحزب الله لم يبدأ اليوم. بل يعود إلى السنوات الماضية، وتحديدًا منذ أن بدأت الضغوط على القاضي طارق البيطار. نون كان من بين الأصوات الأكثر وضوحًا في دعم البيطار، وفي اتهام الحزب صراحةً بمحاولة دفن الملف.
نون لا يخفي انحيازه للحقيقة، ولا يحاول تجميل لغته أو مسايرة التوازنات الطائفية التي كبّلت العدالة في لبنان لعقود. لا مشكلة شخصية لديه مع أي حزب آخر، كما يقول، لكن مشكلته مع حزب الله وجودية، لأن هذا الحزب، بحسب رأيه، هو العائق الأساسي أمام كشف الحقيقة.
حادثة "الطيونة – عين الرمانة" تشكل بالنسبة له مثالًا واضحًا على هذا العرقلة. يومها، في 14 تشرين الأول 2021، تحوّلت مظاهرة نظمها حزب الله وحركة أمل ضد القاضي البيطار إلى اشتباك دموي، قُتل فيه سبعة أشخاص. في روايته، يرى نون أن الحزب هو من دفع الأمور إلى هذا التصعيد، في محاولة جديدة لإسكات التحقيق.
وفي ظل هذا الاستدعاء الجديد، تعود قضية انفجار مرفأ بيروت إلى الواجهة من زاوية مختلفة، حيث تتداخل فيها المسارات القضائية مع التعقيدات السياسية والطائفية التي لطالما حكمت هذا الملف. وبينما يؤكد ويليام نون التزامه بالمثول أمام التحقيق وتمسّكه بحقه في المطالبة بالحقيقة، يبقى مصير التحقيق في انفجار المرفأ معلّقًا، وسط تساؤلات متزايدة حول قدرة المؤسسات القضائية على المضي قدمًا في وجه الضغوط، وضمان الوصول إلى العدالة..