يجد ويليام نون نفسه مرة أخرى في أروقة قصر العدل، حيث عاد أمس الثلاثاء ليخضع لجلسة تحقيق أمام المباحث الجنائية، استجابة لاستدعاء جاء بناءً على إخبار قُدّم ضده من محامٍ تابع لـ"حزب الله".
الاتهام الموجه إليه كان إثارة النعرات الطائفية و"التعاطف مع العدو الإسرائيلي"، اتهامٌ اعتبره نون نفسه سخيفاً!
جلسة التحقيق جرت في أجواء هادئة، بعيدة عن أي ضغوط أو تصعيد، حيث تم الاستماع إليه بدقة وترتيب في الأسئلة، على خلفية الإخبار المقدم ضده.
نون خرج من التحقيق بسند إقامة اعتبره شكلياً، مؤمناً أن هذا الملف قد أُغلق، لكنه في الوقت ذاته لم يتخلَّ عن مواقفه الصريحة التي أثارت جدلاً واسعاً.
في خطابه الذي ألقاه عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، لم يخفِ نون موقفه الرافض لـ"حزب الله" من الناحية العسكرية، واعتبر أن الحزب تحوّل إلى منبر هجوم ضده، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تُرفع دعوى قضائية ضده.
لكن النيران لم تتوقف عند هذا الحد، إذ أطلق نون تصريحاً نال انتقادات واسعة، حين قال إن "العمالة لم تأتِ من أهالي الضحايا، بل من صفوف الحزب نفسه"، مشيراً إلى أن هناك من داخل البيئة المحيطة بـ"حزب الله" من سرب معلومات إلى إسرائيل، وأضعف الحزب في الحرب الأخيرة.
لا يكترث نون لجماهير الحزب وردود أفعالها التي ألهبتها تصريحاته، فهو يؤكد أن "محبة الحزب لا تعنيه"، بل ما يزعجه حقاً هو ما وصفه بعراقيل الحزب التي وضعت حدًا للتحقيقات طوال أربع سنوات، بل وصلت إلى افتعال "حرب أهلية مصغرة" على حد قوله، من أجل تعطيل كشف الحقيقة.
أما الاتهام الغريب الذي طاول حركة جسده أثناء التحقيق، والتي ربطها البعض بـ"التواطؤ مع إسرائيل"، فيراه نون مضحكاً وغريباً.
كما عبّر نون عن تهنئته لـ"حزب الله" على لجوئه إلى القضاء، ولو بشكل شكلي، في حين لم يكن سابقاً يلجأ الحزب للقضاء حتى في مواجهة من ينتقده. ويرى نون أن هذه الخطوة تمثل محاولة لاسترضاء البيئة الشعبية المحيطة بالحزب، خصوصاً في ظل ضعف تأثيره في الآونة الأخيرة.
بالنسبة لنون، الخلاف مع الحزب هو شخصي وليس سياسياً، مشيراً إلى أن بعض أهالي الضحايا من الطائفة الشيعية يساندونه في ملف التحقيق، وهو ما يراه مؤشراً إلى أن هناك من يرغب في كشف الحقيقة رغم كل العوائق، وأن تعمد عرقلة علاقته مع هؤلاء الأهالي هو أمر واضح.
وعن أجواء التحقيق، يقول نون إنها كانت هادئة وجدية، تخللتها احترام متبادل، مع توالي الأسئلة ضمن تسلسل منطقي استند إلى الإخبار، دون وجود أي ضغوط سياسية، حيث اقتصر دور القاضي على الاستماع ومحاولة فهم ما قصده دون محاولات استدراج.
بالنسبة إلى مستقبل المعركة التي يخوضها نون والأهالي، فهو يراهن على القاضي طارق البيطار، مطالباً بحل كل الدعاوى المرفوعة ضده ليتمكن من إصدار القرار الظني الذي يطمح إليه الجميع، قرار يعكس حقيقة ما حدث ويحقق العدالة التي طال انتظارها.
ويلخص نون المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق القضاء والقاضي البيطار، مؤكداً أن الجميع، حتى لو تم عزل القاضي البيطار، لا يرغب سوى في معرفة الحقيقة وإصدار حكم عادل.
ويبقى الأمل معلقاً في أن يبصر هذا القرار الظني النور يوماً ما، لينهي معاناة الضحايا وأهاليهم، وليضع حدّاً لأعوام من الانتظار والضياع.