خاص

لا تفارق هواجس الحرب والدمار أهالي الضاحية الجنوبية لبيروت. فما خلّفته الحرب الأخيرة التي شنّتها إسرائيل على "حزب الله" لم يكن حدثًا عابرًا، إذ ما زال حجم الدمار شاهدًا حاضرًا على تلك المرحلة. ومع تزايد الحديث عن استعداد الحزب لجولة جديدة محتملة من المواجهة مع إسرائيل، انتشرت في الآونة الأخيرة أنباء عن حركة نزوح هادئة من الضاحية خوفًا من تطورات أمنية تلوح في الأفق، بالتزامن مع اقتراب موعد الحسم في ملف سلاح الحزب.

هذا النزوح يُترجم في بيع عدد كبير من العائلات منازلها داخل الضاحية، مقابل ارتفاع الطلب على الإيجارات في بيروت والجبل وصولًا إلى جبيل، ما أدى إلى قفزة في الأسعار تجاوزت 50% في بعض المناطق.

تتقاطع هذه التطورات مع النقاشات حول خطة "حصر السلاح"، والتلويح بأن عدم تجاوب "حزب الله" مع الطروحات المطروحة، قد يقود الأوضاع إلى مزيد من التدهور ويضاعف الأعباء على بيئته التي دفعت أثمانًا باهظة في "حرب الإسناد".

المخاوف اللبنانية تتسع أيضًا خشية انتقال المواجهة إلى مناطق طالما بقيت بمنأى عن القصف الإسرائيلي، وهو ما يثير قلق سكانها من أن تصبح جزءًا من دائرة الحرب المقبلة، في حين تتحوّل بيئة الحزب نفسها إلى بيئة غير مرغوبة بالنسبة لأهلها، خشية من تداعيات الاستهداف.

في موازاة ذلك، يكثّف "حزب الله" استعداداته داخل مناطق نفوذه، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، حيث بدأ خلال الأيام الماضية بتوزيع معدات للنزوح على قريتين شيعيتين في عكار هما قرحة في وادي خالد (ذات الطابع العشائري) وحبشيت. شملت المساعدات فرشًا وأغطية وبطانيات وأدوية، في إطار الاستعداد لأي مواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل.

يصف شاهد عيان لـ"وردنا" المشهد في الضاحية بأنه أشبه بـ"حالة طوارئ"، لافتًا إلى أنّ الاستنفار القائم، ولو بصمت، يوحي بأن الحرب قد تندلع في أي لحظة. ويضيف أن النزوح الصامت لا يقتصر على تفريغ المنازل وشراء بيوت خارج الضاحية، بل يشمل أيضًا إفراغ المستودعات والمحلات التجارية، ومحاولة شراء بدائل في مناطق مجاورة مثل بشامون وعرمون ودير قوبل والجبل والشوف.

ويؤكد أن عمليات البيع تتم بـ"أسعار محروقة"، والهدف منها تفادي الخسائر والخروج من بيئة الحزب بأقل الأضرار. أما العائلات الميسورة، فتلجأ إلى شراء أو استئجار منازل في مناطق أكثر أمانًا داخل بيروت أو شرقها، تحسبًا لأي طارئ.

كما تشير المعطيات إلى تواصل الحزب مع رؤساء بلديات بعض القرى ذات الغالبية العلوية في عكار، مثل حكري الضاهري وتل بيرة، لفتح قاعات المساجد والبلديات تحسّبًا لاستقبال نازحين محتملين. في المقابل، رفضت بعض القرى والبلدات السنّية إقامة مخيمات إيواء ضمن نطاقها، خشية أن تصبح عرضة للاستهداف الإسرائيلي.

أما على المستوى الاستراتيجي، فقد وضعت قيادة الحزب ثلاثة سيناريوهات للمرحلة المقبلة: بدءًا من تصعيد محدود في الجنوب، مرورًا باستهداف الضاحية والبقاع، وصولًا إلى احتمال اندلاع حرب شاملة على غرار حرب أيلول/سبتمبر 2024.

لكن التقديرات الأمنية تميل إلى ترجيح السيناريوهين الأول والثاني، نظرًا لانشغال إسرائيل بجبهتها السورية والقيود الأميركية المفروضة على أي مواجهة شاملة في لبنان.

وبينما تبقى هذه السيناريوهات مفتوحة، يستمر الحزب في رفع جهوزيته العسكرية عبر تعزيز إجراءاته الأمنية، من تقييد استخدام الهواتف بين عناصره، إلى تكثيف التحركات الاحترازية، مستفيدًا من دروس حرب أيلول لتفادي الثغرات التي برزت حينها.

يقرأون الآن