يصل المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت في زيارة جديدة تأتي في توقيت حساس، وسط مشهد لبناني معقّد يراوح مكانه منذ سنوات، فيما تكثف باريس حضورها السياسي في الساحة اللبنانية عبر "اللجنة الخماسية" ومحاولة الدفع باتجاه حلحلة الملفات العالقة، وفي مقدّمها الملف الأمني.
مصادر فرنسية خاصة أكدت لـ"وردنا" أن زيارة لودريان تأتي عقب الجلسة المقررة اليوم، والتي من المفترض أن تُعرض خلالها خطة الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله، تمهيدًا لإقرارها. وتُعتبر هذه الجلسة مفصلية من وجهة نظر باريس، التي ترى أن أي تقدم فعلي في مسار استعادة الدولة لسيادتها لا يمكن أن يتم دون خطوات واضحة بهذا الاتجاه.
لكن في المقابل، شككت مصادر مطلعة في جدوى الزيارة، وقالت لـ"وردنا" إن "زيارة لودريان لن تقدم أو تؤخر، وستكون كسابقاتها، إذ لا جديد فعليًا يمكن البناء عليه، ولا مؤشرات على قرب انفراج سياسي".
الخبير القانوني في المفوضية الأوروبية الدكتور محيي الدين الشحيمي يرى أن زيارة مبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان "هي من حيث الشكل طبيعية، بوصفه الممثل الخاص للإليزيه المكلف الإشراف على الملف اللبناني ضمن فريق الخماسية".
ويتابع في حديث لـ"وردنا": "لودريان يقوم بجولات دورية إلى بيروت لمتابعة المتغيرات السياسية، ولقاء الأفرقاء اللبنانيين، من رؤساء السلطات الثلاث إلى قادة الأحزاب والشخصيات الأساسية في المشهد السياسي".
من حيث المضمون: ثلاث نقاط أساسية
أما من حيث المضمون، فيلفت الشحيمي إلى أن زيارة لودريان تحمل في طياتها ثلاث إشارات مهمة ترتبط بالتطورات الأخيرة في الملف اللبناني.
ويشير إلى أن "قرار الحكومة اللبنانية التاريخي بحصرية السلاح بيد الدولة بات أمرًا واقعًا، وزيارة لودريان تأتي على وقع هذا التوجه الجديد"، مضيفا أنّ "فرنسا كانت ولا تزال من أبرز الداعمين لبناء الدولة ومؤسساتها، وبسط سلطة الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية".
النقطة الثانية التي يبرزها الشحيمي، هي "نجاح فرنسا في تجديد مهمة اليونيفيل في الجنوب، رغم معركة دبلوماسية حادة قادتها الولايات المتحدة وإسرائيل، لإفراغ الجنوب من الشريك الدولي، واستبدال اليونيفيل بقوات متعددة الجنسيات أو انسحابها الكامل".
ويعتبر الشحيمي أن "هذا التجديد يُعد انتصارًا فرنسيًا يُظهر واقعية المقاربة الفرنسية، وحرصها على الاستقرار في لبنان لا على تفجيره من الداخل عبر خطوات غير محسوبة".
أما النقطة الثالثة، فترتبط بـ"ورشة مؤتمر إعادة الإعمار ودعم لبنان"، والتي تتابعها باريس عن كثب. ويوضح الشحيمي أن "فرنسا لا تزال تنتظر من الدولة اللبنانية تنفيذ التزاماتها الإصلاحية، كما ورد في البيان الوزاري وفي خريطة الطريق المنبثقة عن اجتماعات الخماسية".
ويضيف: "هذا المؤتمر، إذا ما حصل، لا تريده باريس شكليًا أو قشريًا، بل مدخله الأساسي هو استعادة مفهوم الدولة الطبيعية، بدءًا من حصرية السلاح وصولًا إلى الإصلاحات المطلوبة دوليًا ومحليًا".
في ختام حديثه، يلفت الشحيمي إلى أن تنفيذ القرار بحصرية السلاح، والانتقال نحو المرحلة الثانية من وقف العمليات العدائية، قد يفتح الباب أمام الوصول إلى اتفاق هدنة شامل، وهو ما "يشكل مدخلًا لاستقرار فعلي في الجنوب اللبناني، ويُشجّع الدول المانحة على الدخول باستثمارات حقيقية في مشاريع إعادة الإعمار، خصوصًا في المناطق الجنوبية".