بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005، والطائفة السنية "لم تعد بخير" وباتت تنتظر الضربات تلو الأخرى مع تغيير موازين القوى، وسيطرة ايران إن كان على لبنان واحتلال القرار السياسي من جهة، أو كما قال قاسم سليماني بعد انتصار حلفائه في الانتخابات النيابية عام 2018 بأن إيران باتت تحتل 4 عواصم عربية.
كان آخر هذه النكسات في السنوات الأخيرة، تعليق تيار المستقبل لعمله السياسي في كانون الثاني/يناير عام 2022، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى تكريس التشرذم السني في الانتخابات النيابية من العام نفسه من خلال 27 نائباً سنياً قرارهم مشتت، لم يستطع أي منهم خلق زعامة تشكل انطلاقة جديدة لمسار مكون أساسي في لبنان.
بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام 2023، تغيرت معادلات كثيرة كانت آخرها ضرب حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل، وسقوط نظام بشار الأسد، وربما هذه المتغيرات مع قرب الانتخابات النيابية في العام 2026 بدأت ترسم مشهدا مختلفا في الساحة السنية عماده الأول التغيير في سوريا مع مجيئ الرئيس السوري أحمد الشرع على رأس إدارة سورية جديدة، ومن ثم المواقف الأخيرة لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان سواء من ناحية دور السنّة على الصعيد الوطني ودعمه للقرارات الوطنية للعهد الجديد والذي كرّسه بدعمه لرئيس الحكومة نواف سلام فيما يتعلق بـ"حصر السلاح" بيد الدولة.
تكمن أهمية مواقف المفتي دريان على أنها ترجمة واقعية إن كان لما تسعى إلى تحقيقه المملكة العربية السعودية على المستوى الوطني بأن يكون هناك دولة ذات سيادة لها قرار الحرب والسلم، وأن يكون السلاح الشرعي الوحيد على كافة الأراضي اللبنانية هو سلاحها فقط، من دون أي "شريك مضارب"، أو للواقع السني الحالي الذي لطالما جابه إيران ومشروعها ودفع أثمانا كبيرة من أجل بناء الدولة.
هذه المواقف جمعت النواب السنة حتى الذين كانوا مصنفين في خانه "حلفاء حزب الله"، خلف المفتي دريان ورئيس الحكومة نواف سلام ضمن الموقف السعودي الداعم لبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، بإطار موقف موحد للطائفة السنية للمرة الأولى بعد التشرذم الطويل الذي عانى منه في ظل غياب تيار المستقبل عن المعادلة السياسية، ومحاولات بهاء الحريري الدخول إلى الساحة السنية في كل السبل المتاحة من دون أي نتيجة تذكر.
هذا الموقف الجامع بدأ يشكل شيئا فشيئا، سداً منيعاً بوجه حزب الله، وما بقي من حلفاء سنة لديه كـ "الجماعة الإسلامية" و"فلول البعث" وتوابعهم بعد أن حاولوا في "حرب الإسناد" الاستثمار في البيئة السنيّة لصالح "حزب الله" بحجة "مواجهة إسرائيل"، وتخوين كل من هو ضد "جبهة الإسناد".
وشكلت قرارات الحكومة الأخيرة المتعلقة بـ"حصرية السلاح" بيد الدولة، بيئة حماية للسنة بشكل خاص، بعد أن عانوا طويلاً من مرارة تفلت هذا السلاح ضمن مناطقهم بالأخص بعد السابع من أيار/مايو 2008؛ وشكّل هذا القرار نهاية حتمية لهذه المرحلة، وهذا يشكل دعما ثابتا للإطار السني بقيادة المفتي دريان.
لا شك بأن هذه المتغييرات تشكّل بداية إطار سني جامع يصطف خلف المملكة العربية السعودية، ودار الفتوى ليكون حاضراً بقوة في الانتخابات النيابية عام 2026، ومن الممكن أن يطيح بالتشرذم السني بشكل كبير إزاء الإلتفاف خلف هذا الإطار الداعي إلى بناء الدولة ومواجهة الميليشيات الخارجة عن القانون، وهذا ما يجعل الكلمة الأولى والأخيرة سنياً ووطنياً للمملكة العربية السعودية التي أعادت تشكيل هذا الإطار السني الجامع حولها، وحول بناء الدولة لتكون لها الكلمة الفصل، رغم كل محاولات احتكار الشارع السني ووضعه في اطار حزبي أو زعاماتي محدود وهذا ما ستترجمه الانتخابات النيابية في العام 2026.