يحمل الاستهداف الإسرائيلي لسيارة في منطقة جبل لبنان أبعاداً عسكرية وسياسية، إذ استهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارة قرب مسجد محلة زاروت بين بلدتي الجية وبرجا في إقليم الخروب بجبل لبنان، على بُعد نحو 60 كيلومتراً من الحدود.
وأثار الحادث تساؤلات حول نيات تل أبيب ورسائلها، في حين شدّد النائب عن «اللقاء الديمقراطي» (الكتلة النيابية للحزب التقدمي الاشتراكي) بلال عبد الله على أن «إسرائيل لا تستثني أي منطقة في لبنان»، داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل «للجم تفلّتها».
صدمة في إقليم الخروب
أفادت مصادر أمنية بأن الغارة أصابت سيارة مدنية على الطريق الساحلي القديم في منطقة سكنية مكتظة. ودوّى الانفجار في بلدتي برجا والجية، مثيراً حالة من الذعر بين السكان. وقال أحد الأهالي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه أول مرة نشعر بأن النار تقترب من بيوتنا، فلم نتوقع أن تضرب الغارات هنا».
وامتزج الخوف بالذهول في بلدات المنطقة، فيقول أحد أبناء الجية لـ«الشرق الأوسط»: «هذه منطقة على الطريق الساحلي، أيّ تصعيد هنا قد يُهدد الشريان الحيوي بين بيروت والجنوب»، في حين رأى آخر من برجا أن «التنوع الطائفي في المنطقة يجعل أي مواجهة أكثر حساسية، ونخشى أن تتحول منطقتنا إلى ساحة صراع إضافية».
وأكّد النائب بلال عبد الله، ابن المنطقة، في حديث إذاعي، أن «هذا الاستهداف يوضح بجلاء أن إسرائيل لا تلتزم بوقف إطلاق النار، بل تنال من اللبنانيين جميعاً». وأضاف: «نحن أمام تفلّت يستدعي ضوابط دولية جدية، إذا كان ثمة مَن يسعى فعلاً إلى استقرار المنطقة».
رسائل سياسية
وفي قراءته لتطورات المشهد الأمني في لبنان، الثلاثاء، قال الخبير العسكري العميد المتقاعد خالد حمادة لـ«الشرق الأوسط»، إن تمدد الغارات الإسرائيلية إلى العمق اللبناني يدخل في إطار «سلسلة الاعتداءات المتواصلة»، مشيراً إلى أن «القصف الذي طال منطقة إقليم الخروب يأتي بعد أيام من استهداف منطقة الهرمل البعيدة عن الحدود، فضلاً عن الاعتداءات شبه اليومية في الجنوب».
ورأى حمادة أنّ «كل ما قامت به الدولة اللبنانية حتى الآن لم يُشكّل ورقة فاعلة بيد الوسيط الأميركي لدفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات»، لافتاً إلى أن الحكومة «اتخذت قراراً، ووافقت على خطة الجيش، لكنها لم تُقِرّها بعد في مجلس الوزراء، وربما كانت في انتظار عرضها على الجانب الأميركي سعياً للتفاهم معه حول آلية الخطوة مقابل خطوة، بما يشمل الانسحابات أو التنازلات المتبادلة».
وإذ أشار إلى أن غياب تحديد موعد نهائي لإنهاء ملف السلاح يُمثّل «نقطة ضعف في خطة الجيش»، شدّد على أن «التكليف برفع تقارير شهرية لا يعني وجود نهاية واضحة لهذه العملية». وأضاف: «هذا الغموض أسهم في تصعيد العنف وعمّق خطورته، سواء من خلال المنشورات التي وُزّعت في الجنوب أو عبر استهداف أماكن سبق أن تعرضت للقصف».
توغّل وتفجير في عيترون
وتسللت فجر الثلاثاء في الجنوب، قوة إسرائيلية إلى منطقة الخانوق في أطراف بلدة عيترون. وحسب شهود عيان، قامت القوة بتفخيخ وتفجير غرفة مهدّمة من منزل دمّر في الحرب الأخيرة.
لكن العملية لم تتوقف عند حدود التفجير، إذ ترك الجنود منشورات ورقية جاء فيها: «هذا المكان استخدمه (حزب الله) لأنشطة إرهابية عرّضتكم للخطر... لا تسمحوا لهم بالعودة إلى هذا المكان». وعدّ الأهالي هذه الخطوة «إعادة إحياء لأساليب الحرب النفسية التي عرفوها خلال سنوات الاحتلال في الثمانينات والتسعينات».
البُعد السياسي وحصرية السلاح
في موازاة التطورات الميدانية، ذكّر النائب عبد الله بقرار الحكومة الأخير حول حصرية السلاح بيد الدولة، قائلاً: «لا تراجع عن هذا القرار، والموضوع التقني والزمني بات في عهدة الجيش اللبناني الذي يحظى بثقة كل اللبنانيين». وأوضح أن «الخطة التي وضعها الجيش تحتاج إلى دعم لوجيستي وتقني، فيما الغطاء السياسي متوفر بالكامل».
ولفت إلى أنه: «حتى الآن لم نتلقَّ أي رد إسرائيلي على الورقة الأميركية - اللبنانية، وهذا يعكس إصرار تل أبيب على التصعيد». وطالب «المجتمع الدولي والعربي بأن يُساعد لبنان في لجم إسرائيل ومنع استمرار انتهاكاتها».