خاص وردنا- بين مضاعفة التعويضات وتقسيمها: أي طريق سيسلك لبنان لحماية عماله؟

شكّلت الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ عام 2019 تحديًا وجوديًا للطبقة العاملة والموظفين في القطاع العام، حيث تآكلت قيمة تعويضات نهاية الخدمة التي كانت تُعتبر شبكة أمان للموظفين بعد تقاعدهم، بعد أن كانت التعويضات تحتسب على أساس سعر صرف قديم (1500 ليرة للدولار) حتى عام 2022، في حين أن سعر السوق الفعلي تجاوز 90 ألف ليرة للدولار. ونتيجة لذلك، تقاضى آلاف الموظفين الذين تقاعدوا بين عامي 2019 و2023 تعويضات زهيدة لا تتجاوز 500-700 دولار، على الرغم من عقود من الخدمة. هذه المبالغ لم تعد كافية حتى لتغطية الاحتياجات الأساسية، ناهيك عن تأمين مستقبل مالي آمن.

يثير اقتراح قانوني جديد حول تعديل آلية احتساب تعويضات نهاية الخدمة في لبنان عاصفة من الجدل، كاشفًا عن شرخ عميق في الرؤى بين المدافعين عن حقوق العمال وأصحاب العمل والدولة، الذين يبحثون عن حلول لأزمة مالية طاحنة تهدد بإفلاس نظام الضمان الاجتماعي بأكمله.

في قلب هذا الجدل، يقف عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي صادق علوية، معارضًا بشدة للاقتراح المطروح، واصفًا إياه بأنه ليس سوى "تهرّب لأصحاب العمل وتنصّل من مسؤولياتهم"، مؤكداً أن الهدف الحقيقي من هذا القانون هو إعفاء أصحاب العمل من المتوجبات المترتبة بذمتهم على حساب الأجراء، مما يعني في النهاية تخفيضًا لتعويضات الأجراء بشكل صريح.

تقسيم الزمن وخصم الحقوق

يقوم الاقتراح المثير للجدل على تقسيم فترة عمل أي موظف إلى قسمين، لكل منهما آلية حساب مختلفة تنطوي على إجحاف بحقوق العمال، وفقًا لعلوية. فالفترة التي سبقت 31 كانون الأول/ ديسمبر 2023، سيُحتسب تعويضها بناء على نصف سعر صرف الدولار في السوق عند دفع التعويض، وليس السعر الفعلي. هذا يعني أن قيمة التعويض الحقيقية ستتآكل بشكل كبير بسبب انهيار قيمة الليرة اللبنانية.

أما الفترة اللاحقة لـ1 كانون الثاني/ يناير 2024، فستُحتسب وفقًا لأحكام قانون الضمان، لكن الجمع بين الآليتين هو الذي سيؤدي إلى الخسارة الفادحة. ويقدم علوية مثالًا حيًا: موظف عمل 20 عامًا، 15 منها قبل 2024 و5 بعدها، سيفقد 135 مليون ليرة من تعويضه، أي ما نسبته 37.5% من حقه الكامل، وهي نسبة تزيد كلما طالت مدة خدمة الموظف بعد تاريخ 2024.

تعويضات لم تعد تساوي شيئًا

يدعم تصريح صادم لرئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، وجهة نظر علوية بشدة الوضع القائم، حيث يصف الأسمر الواقع بأنه كارثي: "تعويضات نهاية الخدمة لم تعد تساوي شيئاً".

ويوضح أنه في القطاع العام، حيث لا يزال أساس الراتب يُحتسب على دولار 1500 ليرة، تتراوح التعويضات بين 1000 و 10,000 دولار كحد أقصى، "حتى لمن خدموا 30 أو 40 سنة". هذا المبلغ الزهيد بعد عمر من العمل هو تجسيد لانهيار قيمة الحقوق المكتسبة.

الطرف الآخر من المعادلة: دفاع عن "الخسارة المشتركة"

في الجهة المقابلة، يقدم عضو المكتب السياسي في تيار الكرامة، رامي أسوم، رؤية مختلفة تدافع عن الاقتراح، معترفًا بأنه يقوم على فلسفة "الخسارة المشتركة" أو "توزيع الخسائر" بين ثلاثة أطراف: الدولة، صاحب العمل، والعامل نفسه.

يبرر أسوم هذا النهج بالواقع الاقتصادي المنهار الذي يعيشه لبنان، مشيرًا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي انخفض من حوالي 55 مليار دولار إلى 27 مليار دولار، أي أن "الاقتصاد اللبناني خسر فعلياً نصف قدراته وثروته". انطلاقًا من هذه الحقيقة القاسية، يرى أسوم أنه "طالما البلد خسر نصفه، فالجميع يجب أن يتحمّل جزءاً من هذه الخسارة على قاعدة العدالة في التوزيع وليس في الإنكار".

بدوره، يقدم بشارة الأسمر حلاً عملياً مختلفاً عن الاقتراحين السابقين، وهو مضاعفة التعويضات للذين تركوا الخدمة منذ انهيار الليرة أواخر 2019. ويكشف عن تحرّك نقابي مع نواب مثل علي حسن خليل وشربل مسعد، تم فيه إعداد اقتراح قانون لمضاعفة التعويضات 10 مرات، وصولاً إلى مشروع آخر يطالب بمضاعفتها 30 مرة، وهو ما كان سيشمل 70 ألف متقاعد وينعكس إيجابًا على 450 ألف عامل لا يزالون في الخدمة.

ويلفت الأسمر إلى أن هذا الحل لم يُنفذ بسبب "الأحداث المتسارعة"، لكنه يبقى على الطاولة كخيار مطروح، إلى جانب دراسة أخرى جادة أعدتها رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي لاستعادة قيمة الرواتب تدريجيًا حتى عام 2030.

مأزق حقيقي وحلول بعيدة المنال: بين العدالة والواقعية

يبدو أن كلي الأطراف يعترف بوجود أزمة حقيقية تهدد نظام التعويضات، لكن الحلول المطروحة متعارضة جذريًا.

صادق علوية يرى أن الحل الوحيد هو التمسك بالقانون الحالي والاستمرار في تطبيقه ريثما يتم الانتقال إلى نظام التقاعد الشامل الجديد، مع دعوة الدولة لمساعدة أصحاب العمل من خلال الودائع المحجوزة في المصارف، وليس على حساب العمال.

في المقابل، يرى رامي أسوم أن "المعالجة المرحلية" والخسارة المشتركة هي الحل الواقعي الوحيد في ظل انهيار ثروة البلاد إلى النصف.

أما بشارة الأسمر، فيمثل صوتًا ثالثًا ينطلق من واقع المأساة اليومية للعمال، داعيًا إلى حل عاجل عبر المضاعفة، مع التأكيد على ضرورة الإصلاح الإداري الشامل، وتحقيق العدالة في الرواتب داخل القطاع العام نفسه، وتعزيز الحوكمة من خلال إعادة تفعيل مجالس العمل التحكيمية ومجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

بين رفض "التهرب" على حساب العمال، وقبول "الواقعية" على قاعدة الخسارة المشتركة، والمطالبة بحلول عاجلة عبر المضاعفة، تظل حقوق آلاف العائلات اللبنانية معلقة في ميزان اقتصادي مائل. هذه الأزمة ليست مجرد نقاش قانوني، بل هي اختبار صعب لإرادة الدولة في حماية من هم في الأساس الأكثر تضررًا من أزمتها، ومدى قدرة اللبنانيين على الصمود في وطن لم يعد يعترف بتضحياتهم.

يقرأون الآن