صحيح ان الانتهاكات الإسرائيلية وعمليات الاغتيال في الجنوب والبقاع لم تتوقف يوما منذ إعلان وقف إطلاق النار إلا أن العودة المفاجئة الى استباق الغارات بتوجيه إنذارات وتحديد الأماكن المستهدفة بعد طول انقطاع يعتبر رسالة تصعيدية خطيرة من قبل الجيش الإسرائيلي. وأصبحت المخاوف حقيقية من احتمال قيام إسرائيل بتوسيع الحرب على لبنان، سواء بالتوازي مع اجتياح مدينة غزة أو بعده ما يذكر اللبنانيين بالتهديدات التي كانت تطلقها إسرائيل في بدايات "حرب الإسناد" بأنها ستوسع حربها على لبنان عندما تنتهي من حرب غزة.
إذا التصعيد خطير، ما دفع رئيس الحكومة نواف سلام الى دعوة المجتمع الدولي "لا سيّما الدول الراعية لاتفاق وقف العمليات العدائية إلى ممارسة أقصى الضغوط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها فوراً". كما ان المسؤولين اللبنانيين وأركان السلطة بدأوا باتصالاتهم العربية والدولية في محاولة لتطويق أو إبعاد شبح الحرب الشاملة عن لبنان.
وبينما يأتي هذا التصعيد قبل 48 ساعة من اجتماع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، الأحد، في الناقورة بحضور الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، جاء أيضا قبيل الاستعدادات التي يجريها "حزب الله" لإحياء الذكرى السنوية الاولى لاغتيال اسرائيل أمينيه العامين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.
وفي هذا الاطار، لا بد من التساؤل: ماذا هدفت إسرائيل من تصعيدها في هذا التوقيت الدقيق لبنانيا وإقليميا؟ وهل ستوسع حربها على لبنان خصوصا ان البعض يعتبر انه لا يمكن فصل التصعيد الجديد عن هجوم قطر وما يحصل في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام؟ وهل يؤثر هذا التصعيد على عمل الجيش اللبناني في حصر السلاح جنوب وشمال الليطاني؟
إستثمار إسرائيلي في الضياع اللبناني
العميد خالد حمادة اعتبر في حديث لموقع "وردنا" ان "التصعيد الذي شهده الجنوب في اليومين الماضيين والذي لا يزال مستمرا ليس جديدا. قد تكون وتيرة التصعيد جديدة انما الاعتداءات لم تتوقف منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار. يجب أن نقتنع ان ما يجري في الميدان ومن ضمنه اتفاق وقف اطلاق النار انما أتى تعبيرا عن ميزان ميداني لصالح اسرائيل بعد الخسائر الكبيرة التي مُني بها حزب الله. والاتفاق الذي وُقع برعاية الرئيس نبيه بري الذي كان يمثل حزب الله في التفاوض يشير الى كل ذلك".
ورأى ان "المسألة الآن هي الاستثمار الاسرائيلي في الضياع اللبناني في تطبيق هذا الاتفاق لأن الدولة لا تزال تتأرجح بالرغم من القرار الواضح الذي اتخذته الحكومة بنزع السلاح، وتقدم عناوينا مبهمة في كيفية تنفيذ هذا القرار رغم خطة الجيش التي رحبت بها الحكومة. اليوم هذه الخطة افتقرت الى الجدول الزمني. وكذلك، لم يُتخذ القرار بالمعنى السياسي بأنه لن يكون هناك أي ميليشيا مسلحة في لبنان. عندما نقول تسليم سلاح الحزب هذا لا يعني حل الجناح العسكري للحزب. كذلك، فإن تصريحات الحزب لا تساعد الحكومة اللبنانية للتمكن من تدارك التصعيد الاسرائيلي والتمكن من الزام الاميركيين أو الضغط عليهم بإلزام اسرائيل في تطبيق ما عليها تطبيقه في الاتفاق."
وشدد حمادة على ان السؤال الذي يطرح: "هل يكفي أن تقول الحكومة انها جادة في نزع السلاح لكي يقتنع الاميركيون بحقيقة هذا الامر؟ ثم كل مواقف حزب الله تحرج الحكومة، وتستدرج اسرائيل وتقدم لها أكثر من حجة للقيام بهجمات على لبنان. المسألة الاخرى، فإن المواقف الفلسطينية، ونعني هنا الفصائل التي تدور في فلك طهران، تقدم نفس المواقف المتطرفة".
وأشار الى ان "لا علاقة لهذا التصعيد بإحياء ذكرى اغتيال نصرالله انما يتجاوز أكثر بكثير هذه المسألة. التصعيد مرتبط بموقف الحكومة وبحضور أورتاغوس الى بيروت التي لم تأخذ أي مواعيد سياسية أو أمنية، وهذا يعكس بشكل أو بآخر رفضا للموقف الحكومي ورفضا للتدابير المتخذة من قبل لبنان. الميكانيزم يجب أن تراقب تنفيذ جدول خطوة مقابل خطوة بين لبنان واسرائيل سبق وتم الاتفاق عليه. لم يأت بعد دور الميكانيزم الذي ليس دورها إبداء الرأي فيما يقوم به الجيش اللبناني أو إبداء الرأي بما تقوم به اسرائيل بل إبداء الرأي في كيفية تنفيذ الاتفاق بين الطرفين. وبالتالي، تلعب دور تقويم أي خلل في آلية التنفيذ، وهذا لم يحصل لغاية الآن".
وأكد حمادة ان "الجيش اللبناني يقوم بجهد كبير جنوب الليطاني لكن اذا لم يكن ضمن خطة زمنية ممرحلة يؤدي الانجاز فيها الى الزام اسرائيل بإنجاز مقابل، فهذا يشبه اطلاق النار في الهواء. كل هذا التنفيذ اذا لم يندرج ضمن خطة تقوم الميكانيزم بمراقبتها، وكل ما يقوم به الجيش اللبناني يعتبر جهدا ليس بمستوى التدابير المطلوبة".
التصعيد الاكبر آت
وفي وقت أثارت فيه التحذيرات الاسرائيلية حالة من الذعر والخوف في نفوس السكان الذين غادروا منازلهم في بلدات ميس الجبل وكفرتبنيت ودبين والشهابية وبرج قلاوية، لم يكن سكان الضاحية الجنوبية في بيروت على منأى من هذه المخاوف لأنهم اعتبروا ان اسرائيل ربما ستنذرهم في أي لحظة للاخلاء ما يجعلهم في حالة قلق دائم.
وأكد مصدر أمني متابع لموقع "وردنا" ان نية توسيع الحرب على لبنان ليست مستبعدة، وربما الحرب الشاملة ستكون قبل الانتخابات النيابية المقبلة كحد أقصىى لأن اسرائيل لم تحقق أهدافها بعد من الحرب على لبنان، وما قاله السيناتور ليندسي غراهام بشأن السلاح من القصر الجمهوري يجب أخذه على محمل الجد، ويدل على ان التصعيد الاكبر آت.