عام 2017، غادر الشاب الطرابلسي عبدالله الدندشي لبنان هربًا من الفقر وانعدام فرص العمل. لم يكن منتمياً لأي حزب، لكنه كان يبحث عن حياة كريمة.
بدأ رحلته عبر مطار بيروت إلى تركيا بشكل شرعي، قبل أن يخوض رحلة محفوفة بالموت، وأمضى هناك خمسة إلى ستة أشهر بلا عمل، ما دفعه للبحث عن مخرج. قرر عبور البحر إلى أوروبا، فجلس إحدى عشر يومًا داخل حاوية في البحر، انتهت به على جزيرة "ميتيليني" اليونانية. هناك، وبمحض الصدفة، استقبلته عائلة يونانية – شاب يُدعى علي وزوجته نور وطفلتهما أولغا – فتحت له باب منزلها، وأدخلته إلى منظمة إنسانية تُسمّى "بيت الإنسانية"، حيث ساهم مع متطوعين آخرين في مساعدة اللاجئين الوافدين إلى الجزيرة.
ثمانية أشهر أمضاها عبدالله عالقًا هناك، إلى أن فتحت السلطات ملف لجوئه، وطلبت منه الانتقال إلى أثينا بانتظار البتّ في إقامته. لكن حياة العاصمة لم تكن أفضل حالًا: مسكن متواضع، بدل شهري لا يتجاوز 150 يورو، وأهل في طرابلس يعيشون ظروفًا مأساوية، وأخ يصارع مرض ابنه.
خلال هذه الفترة، تعرّف عبدالله على شاب يُدعى مجدي، فلسطيني الجنسية، الذي عرض عليه العمل في نقل السيارات. لكن، كما يروي شقيقه أحمد لـ"وردنا"، هنا بدأ الفخ الحقيقي: "جاء إليه شخص فلسطيني يُدعى مجدي مع مجموعة من السوريين من دير الزور، وأقنعوه بأن ينقل سيارات إلى أشخاص داخل اليونان، وقالوا له إن الأمر قانوني؛ وإن ربحه لا يتعدّى 100 أو 200 يورو. في الواقع، كانوا يخططون لاستغلاله كطُعم للشرطة اليونانية، بينما كانوا يهرّبون مهاجرين آخرين على متن شاحنات."
في يوم الرحلة، تحركوا بالسيارة، ومع مرور ساعة تقريبًا لاحقتهم الشرطة. أصيب مجدي والخطّ الآخر بالذعر وتركوا السيارة، بينما بقي عبدالله لأنه لم يكن على علم بخطورة المهمة. اعتقلته الشرطة على الفور، وحوكم لاحقًا.
"أخي لم يكن يعلم أن العمل غير قانوني، وقد أُلقي القبض عليه لمجرد أنه كان موجودًا في المكان المناسب في الوقت الخطأ. الشرطة اليونانية أخذته وحُكم عليه 180 سنة سجناً و300 ألف يورو غرامة. وبعد التحقيق، تبيّن أن مجدي وشركاءه (مصطفى الديرة وأبو حسن) هم من خططوا للمكيدة، وأقرّوا بذلك أمام المحكمة. وعلى هذا الأساس خُفّف الحكم إلى 97 سنة."، كما يروي شقيقه.
وبحسب رواية العائلة، في التحقيق، فإنّ عشية المحاكمة، جرى التواصل مع السفارة اللبنانية في اثينا، فجاء الرد: "لا نستطيع التدخل إلا بعد صدور الحكم".
القيود الطويلة أثرت على صحة عبدالله النفسية والجسدية. "أخي حاول الانتحار أكثر من مرة، أولاً بالشنق ثم بحرق نفسه، لأنه شعر أن عقوبة 97 سنة مستحيلة التحمل. يعاني من مرض عصبي، والضغط النفسي داخل السجن شديد، ولم يحصل على العلاج الكافي".
ويشير شقيقه إلى أن الشبكة التي ورّطت عبدالله كانت منظمة وذكية: "المسؤولون عن الكمين كانوا مجموعة من السوريين من دير الزور، استغلوا ضعف أخي وجعلوه كطُعم للشرطة بينما كانوا يهربون شاحنات محمّلة بالمهاجرين. حتى المحامي الذي وُكّل للدفاع عنه كان يعمل ضده، تحت تأثير تلك الشبكة."
وتحدث شقيق عبدالله عبر "وردنا" عن محاولاتهم المستمرة للضغط على السلطات اليونانية بعد الحكم القاسي على شقيقه، وقال: "خلال الأيام التي تلت الحكم، كانت والدتي في حالة انهيار، والعائلة بأكملها كانت بحالة صدمة".
وأوضح أحمد أنّهم أرسلوا رسائل مباشرة إلى السلطات اليونانية عبر المحامي المكلف بالقضية، إضافة إلى إرسال فيديوهات وصور توثق الوضع، مؤكداً أنّهم انتظروا ما يقارب الشهر حتى جاءتهم الاستجابة: خفض الحكم من 97 سنة إلى 12 سنة.
وأتى هذا التغيير بعد جهود مستمرة ومتابعة مباشرة، مؤكداً أنّ هذا كان إنجازاً كبيراً بعد سبع سنوات من السجن القاسي: "قلنا الحمد لله، بقي له ما يقارب خمسين سنة فرق عن الحكم الأصلي. حاولنا ألا نعيد القضية إلى الوراء، وبقيت كل خطواتنا مدروسة بعناية."
وبعد تخفيض الحكم، قدّم أحمد، طلبات لنقل شقيقه عبدالله، من السجن المغلق في احدى جزر اليونان إلى السجن الزراعي، حيث توجد فرص عمل داخل السجن، ما يساعده على تحسين وضعه. اللجنة وافقت على الطلب جزئياً، وما زالت العائلة تنتظر الموافقة النهائية لتقليل مدة العقوبة الفعلية سنتين أو ثلاث سنوات إضافية.