سنوات طويلة مرت، وجروح أهالي المفقودين والمخفيين قسرًا، لا تزال تنزف وجعا وألما وحسرة على غياب فلذات أكبادهم، والاكثر مرارة انهم لا يعلمون شيئا عن مصيرهم رغم الاقتناع المرّ انهم أصبحوا في جوار ربهم.
ملف المفقودين والمخفيين قسرًا في سوريا الذي يعتبر من أكثر الملفات المؤلمة منذ اندلاع الحرب الأهلية، لم يتم التعاطي معه من قبل الدولة بالمستوى الذي كان يطمح به الأهالي الذين لم يكلّوا ولم يملّوا على مدى عشرات السنوات من المطالبة بمعرفة مصير المخفيين والمفقودين، ونظموا العديد من الفعاليات والمؤتمرات والمسيرات، ونصبوا الخيم أمام مبنى الامم المتحدة في وسط بيروت دون أن يجدوا الآذان الصاغية. ورحلت الأمهات عن هذا العالم، وفي قلبهن غصة. غصة الفقدان وجهل مصير أبنائهن. وبعد نضال شاق، أقرّ المجلس النيابي اللبناني قانون المفقودين والمخفيّين قسراً رقم 105\2018 الذي يتضمّن تشكيل الهيئة الوطنيّة للمفقودين والمخفيّين قسراً.
اليوم، وبعد سقوط نظام بشار الاسد في سوريا، يبدو ان هناك بارقة أمل في معرفة مصير المفقودين والمخفيين قسرا رغم ان الجميع أصبح مقتنعا انهم ليسوا على قيد الحياة خصوصا بعد أن أعلن الجانب السوري ان السجون السورية باتت فارغة، وأن ما من لبناني كان في سجن سوري الا وأطلق سراحه.
ومؤخرا، حصل اجتماع بين الهيئة الوطنية اللبنانية للمفقودين والمخفيين قسرا في سوريا، مع الهيئة السورية للمفقودين والمخفيين قسراً، أي السوريون المفقودون في لبنان، ويجري العمل على توقيع مذكرة تفاهم بينهما، تسمح لهما بتبادل ما توافر من معلومات عن المفقودين في لبنان وسوريا.
ملف المفقودين والمخفيين يعالج اليوم بجدية
النائب السابق غسان مخيبر الذي تابع الملف الى جانب الأهالي على مدى سنوات، اعتبر في حديث لموقع "وردنا" ان "الدولة اللبنانية ممثلة بالهيئة الوطنية اللبنانية للمفقودين والمخفيين قسرا التي ستتولى تقصي مصير المخفيين، أمر جيد، والتعاون بين الهيئتين السورية واللبنانية أمر مهم أيضا، لكن التحدي يكمن في المتابعة في سوريا وفي لبنان".
وتحدث عن تشكيل هيئة جديدة بحيث ان الهيئة السابقة كانت تعاني من صعوبات واقعية في البحث عن المفقودين والمخفيين قسرا. وبالتالي، من الضروري جدا إعطاء هذه الهيئة كل الدعم، وتستمر الدولة اللبنانية بالعمل الجدي والتواصل مع السلطات السورية في هذا الاطار. لا نتحدث اليوم عن أمل العودة على قيد الحياة انما يصب الاهتمام على معرفة مصير المفقودين واعادة رفاتهم. هذا الامل الوحيد المتبقي للعائلات في لبنان.
وأكد مخيبر ان فتح الملفات اليوم يمكن أن يحصل بجدية أكثر مما كان يحصل في السابق. مع العلم ان ملف المفقودين والمخفيين قسرا قد يتطلب سنوات لكشف الحقيقة، لكن هذا لا يعني ان ذلك يجب أن يقف عائقا خصوصا ان الدولة اللبنانية أهملت الملف لسنوات طويلة جدا، وعليها العمل بحدية وسرعة اليوم.
تغييب الأهالي عن نقاش الهيئتين أمر مرفوض
أما رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية علي أبو دهن الذي اعتقل من قبل قوات النظام السوري، وروى معاناته خلف قضبان سجن "صيدنايا"، أشار في حديث لموقعنا الى ان تشكيل الهيئة في سوريا هدف الى متابعة ملف المعتقلين السوريين في لبنان. الضغوطات التي مارسناها في الماضي، دفعت الدولة اللبنانية الى المطالبة بمعرفة مصير المفقودين والمخفيين في السجون السورية لكن نعرف جميعنا انه لم يعد هناك من معتقلين على قيد الحياة.
وتحدث عن الهيئة الوطنية اللبنانية التي تشكلت مؤخرا والتي لم تقسم بعد أمام رئيس الجمهورية لاستلام مهمتها. يمثل أحد الأشخاص، جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، في الهيئة المشكلة حديثا، لكن لا نعلم ماذا يجري، وبماذا تطالب الهيئة السابقة التي لا تزال تقوم بمهامها خصوصا ان ما من أحد يمثلنا فيها. ربما لأنهم لا يريدون أن يحضر الاهالي المعنيين والمتابعين لقضايا المفقودين منذ سنوات لأننا نعرف الكثير عن القضية. اذا كانت الدولة اللبنانية تحترم نفسها وتحترم القضية يجب أن يتمثل الاهالي والمعتقلون السابقون في الهيئة لأنهم يعرفون تفاصيل القضية أكثر من غيرهم. نحن لدينا الكثير من المعطيات ربما أكثر بكثير من أعضاء الهيئة الذين لم يتابعوا الملف مثلنا.
ولفت أبو دهن الى انه عقد لقاء مؤخرا بين الهيئتين اللبنانية والسورية، لكن لم نكن معهم على الطاولة. أليس من الضروري أن يكون أحد من قبلنا للادلاء بما لديه من معطيات ومعلومات وخبرة وتجربة؟ نحن الذين اعتقلنا في السجون السورية لسنوات. لماذا تغييبنا عن النقاش والحوار والمتابعة؟.
وكشف انهم بصدد تقديم شكوى ضد الدولة السورية وضد النظام السابق الذي انتهك حقوق المسجونين اللبنانيين، وسنطالب بتعويضات للاهالي كما اننا بصدد تقديم شكوى ضد نظام بشار الاسد أمام المحاكم الدولية، لكن ذلك يتطلب بعض الاجراءات من قبل الدولة اللبنانية التي لم تتحرك بعد في هذا الاطار.