خاص

مرّت سنتان على طوفان الأقصى، الحدث الذي أعاد رسم خريطة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنه ترك وراءه أكثر من مجرد ذكرى: ترك تراكمًا من الأسئلة الصعبة والحرجة التي لا يمكن لأي تحليل سطحي تجاهلها. هذه الأسئلة ليست مجرد فضول عابر؛ إنها تبحث عن الحقيقة وراء الرموز، خلف الدعاية، وبين ثنايا القرارات المصيرية التي اتخذت خلال أسابيع أشبه بالدوامة.

القرار ذاته يستحق المحاسبة الدقيقة. هل كان الطوفان ضرورة استراتيجية محسوبة أم مغامرة محفوفة بالمخاطر؟ وهل كانت قيادة حماس على وعي كامل بردود إسرائيل المحتملة، أم أن المخطط فُرض على الواقع السياسي بجرأة تجاوزت كل التقديرات؟

ماذا لو اتضّح أنّ "7 اكتوبر" هي عملية أمنية اسرائيلية؟ هل فعلا غفلت اسرائيل عن اللحظات الاولى للعملية وهي القادرة على مراقبتنا داخل منازلنا وهي التي فخّخت حتى "البيجر"؟ لماذا لم يُخبر السنوار قراره لإيران وحزب الله وحتى القيادة السياسية لحماس؟ أم انّه شريك في العملية الأمنيّة؟ وايضا سؤال: اين جثّته اليوم؟

الإعلام لعب دوره. نعم، لكنّه لم يكن مجرد ناقل للحقائق، بل جزء من اللعبة الاستراتيجية نفسها. كل مقاطع الانتصارات، كل البطولات المعلنة في مختلف الجبهات، هل كانت تعكس الواقع فعلاً، أم كانت جزءًا من فخ إسرائيلي إعلامي متقن؟ لماذا نصدّق السردية الاسرائيلية؟ هل وقعت الجماهير الفلسطينية والعربية كلها في شبكة الصورة، بينما استثمرت إسرائيل كل هذه المشاهد لإنتاج سرديتها؟ أو بأقل تقدير السردية التي تناسب نواياها وأهدافها؟

لماذا سمحت إسرائيل بتصدير صورة عناصر "القسام" القوية، وأغفلت، بل شوّهت صورة "المقاومين" في حزب الله، بالرغم من أنّها رُدعت عند الحدود الجنوبية 10 أضعاف عمّا شهدته في قطاع غزة؟ وإذا كان حزب الله ضعيفا على عكس "القسام" (دائما بحسب الدعاية الإسرائيلية)، لماذا لم يتمكّن 70 ألف جندي إسرائيلي من إقتحام القرى الجنوبية وفق ما كانت تطمح إليه خلال المعركة؟ إن حقيقة هذه الحرب النفسية تكشف أن القوة لا تُقاس بما يُعرض على الشاشات، بل بما يترسخ على الأرض ويترك أثرًا ملموسًا في موازين القوى والسياسة.

وعندما ننتقل إلى النتائج، يصبح الطوفان مرآة صادمة للتناقضات بين الهدف المعلن والواقع الميداني. بعد سنتين، هل تحقق أي مكسب ملموس؟ هل "المقاومة" اليوم أقوى، أم أن الخسائر البشرية والسياسية كانت أكبر بكثير من أي انتصار معلن؟ وهل كان الطوفان مجرد إعلان رمزي عن نهاية مرحلة، أم بداية حرب فعلية كما روّجت الروايات الرسمية؟ كل هذه التساؤلات تشير إلى فجوة بين الطموح والواقع، بين الرمز الإعلامي والقدرة على التغيير الفعلي.

حتى لبنان لم يكن بمنأى عن العواقب، إذ كشفت هذه المواجهة هشاشة الخطط الميدانية على طول الحدود. "شهداء" حزب الله، ومقدّمهم السيد حسن نصرالله، هل سقطوا في مواجهات محسوبة أم كانوا ضحايا لعبة أكبر؟ هل تمكّن الحزب فعلا من إسناد غزّة؟ هل تمكّن لبنان فعلا من تحقيق أي مكاسب، أم كانت المعركة خاسرة قبل أن تبدأ؟ هذه المعطيات تطرح السؤال الأهم: ما قيمة الفعل العسكري إذا لم يُترجَم إلى مكاسب استراتيجية حقيقية على الأرض، وإذا كان الثمن البشري والفوضى السياسية أعلى من أي مكسب رمزي؟

الطوفان أيضًا أعاد طرح أسئلة أوسع عن قدرة الفلسطينيين على تحويل المقاومة إلى مشروع وطني مستدام. ماذا بقي فعليًا من حماس بعد كل هذه السنوات؟ هل ما زالت الحركة قوة فعالة على الأرض، أم تحولت إلى مجرد هيكل رمزي تُدار علاماته وإعلامه بعناية؟ أين تبييض السجون الذي وُعد به الشعب الفلسطيني؟ وأين أي تقدم ملموس في فك الحصار عن القطاع؟ كل هذه الوعود تبدو اليوم بلا قيمة أمام الواقع المرير الذي يعيشه الناس.

بالنظر إلى الأفق السياسي: هل الصراع الحالي صراع ديني بين مسلمين ويهود، أم أنه صراع استعماري عنصري سياسي على الأرض؟ وهل يمكن حقًا إقامة سلام مع "كيان "يرى في الإبادة والفصل العنصري أداة دائمة لاستمراره؟ وهل هناك أفق لوجود إسرائيل بعد الطوفان خصوصًا بعد أن فقدت جزءًا كبيرًا من شرعيتها الأخلاقية والسياسية؟

وفي النهاية، يبقى السؤال الأكبر: ماذا لو لم تحصل عملية الطوفان؟ هل كانت إسرائيل ستجد ذريعة أخرى للانقضاض على غزة؟ هذا السؤال يطرح تحديًا أكبر لفهم سبب استمرار دائرة العنف في القطاع اليوم بالرغم من توصّل الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى خطّة لوقف الحرب.

طوفان الأقصى ليس حدثًا عابرًا؛ إنه اختبار للقرار، للقيادة، وللوعي الجماعي. بعد سنتين، لا يكفي مجرد طرح الأسئلة، بل يجب أن نقرأ الحدث نقديًا، بجرأة، بعيدًا عن الشعارات والرموز، لنكشف ما بين السطور، ونفهم حقيقة ما جرى بالفعل.

يقرأون الآن