لا جديد يُطمئن اللبنانيين تحت شمس هذا البلد القلِق. فكما قال أرسطو: "لا شيء جديداً تحت أشعة الشمس"، كذلك تبدو حال الساحة اللبنانية التي تدور في حلقة مفرغة من التوترات والانفجارات الأمنية، وصولاً إلى الاغتيالات التي عادت بوتيرة متصاعدة، لتُعيد السؤال إلى الواجهة: هل تعود الحرب؟
بابا السلام في لبنان
في خضمّ هذه الفوضى، تبرز الزيارة المرتقبة لبابا الفاتيكان إلى لبنان كحدث استثنائي لا يشبه أي زيارة أخرى. فلبنان ليس مجرد محطة على الخريطة الروحية للعالم الكاثوليكي، بل هو موطن الكنيسة المارونية التي لعبت عبر القرون دور جسرٍ بين الشرق والغرب.
لهذا السبب، تحمل الزيارة البابوية المقررة بين 30 تشرين الثاني و2 كانون الأول 2025 أبعاداً روحية وسياسية تتجاوز الرمزية، وتعيد تسليط الضوء على لبنان كرسالة للتعايش في منطقة تمزقها الصراعات.
لكن السؤال الذي يرافق هذه الزيارة: ما التطورات السياسية التي قد تتزامن معها؟
شبح الحرب.. قبل الزيارة أم بعدها؟
تتردد في البلاد توقعات عن هجوم إسرائيلي واسع قد يطال لبنان مع اقتراب زيارة البابا. إلا أنّ الكاتب والمحلل السياسي وجدي العريضي يؤكد لـ"وردنا" أن المسألة لا ترتبط بالزيارة مباشرة، فإسرائيل، بحسبه، قد تشن حربها في أي لحظة: خلال أيام، ساعات، أو عبر أسبوع من الغارات المكثفة، قبل أن تفرض أمراً واقعاً شبيهاً بما فعلته في غزة أو في حرب الأيام الستة عام 1967.
ويوضح العريضي أن قدرات إسرائيل اليوم مختلفة جذرياً، إذ تمتلك أحدث التقنيات العسكرية وتحقق تقدماً ميدانياً ملحوظاً، لدرجة أنّ بعض المناطق الحدودية جنوباً كبلدة بليدا شهدت توغّلات إسرائيلية خلال الأيام الماضية. وبعبارة أخرى: إسرائيل ليست بحاجة لانتظار أي حدث لتشعل حرباً.
مع ذلك، يرجّح العريضي أن التصعيد الأكبر قد يأتي بعد انتهاء زيارة البابا، وليس قبلها، فالتوترات قائمة يومياً: اغتيالات، غارات متكررة على الجنوب والبقاع، وخروقات مستمرة للقرار 1701. والأهالي ما زالوا مهجرين، فيما تتفاقم الأضرار في القرى الحدودية.
وبحسب هذه القراءة، فإن أي تصعيد كبير بعد الزيارة قد يفتح الباب أمام حرب شاملة تعيد مشاهد الدمار والتهجير إلى الجنوب وربما إلى بيروت والبقاع أيضاً، ما لم تبقَ المواجهات محصورة في المناطق الحدودية.
حركة دبلوماسية.. وكلمة سرّ منتظرة
في موازاة المشهد الأمني، يكشف العريضي عن اتصالات دبلوماسية تجري على أعلى المستويات، وعن وصول موفدين أميركيين إلى بيروت، بانتظار وصول السفير الأميركي الجديد ميشال عيسى اليوم الجمعة، الذي يُتوقع أن يحمل معه ما وصفه بـ"كلمة السر" لإطلاق مسار تفاوضي جديد.
فالمسألة لم تعد محصورة بملف سلاح "حزب الله"، بل باتت تشمل ضغوطاً متزايدة لفتح باب التفاوض المباشر وغير المباشر بين لبنان وإسرائيل.
وفي السياق نفسه، يرى النائب إيهاب مطر أن "حزب الله قادر على الإرباك وليس على التعطيل"، معتبراً أن المفاوضات هي الحل الواقعي. موقفٌ يلتقي مع ما أكده رئيس الجمهورية جوزاف عون بأن التفاوض يتم مع العدو، وليس مع الصديق، وأن هذا الملف هو من مسؤولية الدولة اللبنانية حصراً.
أما الجيش اللبناني، فيواصل، بحسب العريضي، أداء دوره عبر ضبط الحدود، ومداهمة المخيمات، والقيام بمهامه الأمنية رغم الظروف الضاغطة.
زيارة محمّلة بالآمال.. ومشاهد القلق
ستتناول الزيارة البابوية ملفات الحوار بين الأديان، ووحدة المسيحيين، ومعاناة المسيحيين في الشرق، إضافة إلى بحث التحديات الإقليمية. غير أنّ تزامنها مع ذكرى عام على وقف إطلاق النار وعودة التوتر على الحدود الجنوبية يجعل الكثير من اللبنانيين يعيشون بين أمل الروحانية وخوف الحرب.
فبين زيارة تحمل رسالة سلام، وتصعيد يلوّح بعودة الحرب، يجد لبنان نفسه مرة جديدة على مفترق طرق. لكنّ الأكيد أن اللبنانيين باتوا يترقبون المرحلة المقبلة بحذر شديد، آملين أن تكون زيارة البابا مناسبة لتهدئة النفوس، لا مجرد استراحة قصيرة قبل عاصفة جديدة.


