في تطور لافت على مستوى العلاقات اللبنانية ـ السعودية، قال مسؤول سعودي رفيع المستوى إنّ وفداً سعودياً سيزور لبنان قريبًا، وستتمّ مناقشة إزالة العوائق التي تعطل حركة الصادرات اللبنانية إلى المملكة، لافتا الى أن المملكة تقدّر الجهود التي يبذلها الرئيس جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام في معالجة القضايا الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك الحدّ من تهريب المخدرات إلى السعودية في الأشهر الماضية ليرد سلام كما عدد كبير من المسؤولين اللبنانيين على المبادرة "الطيبة" تجاه لبنان.
العلاقة بين الرياض وبيروت
لكن قبل الحديث عن عودة العلاقات الاقتصادية بين لبنان والسعودية، ومحاولة إزالة العوائق التي تسهّل وتساهم في إعادة المياه الى مجاريها على المستوى السياسي، لا بد من التوقف عند أبرز المحطات التي عكّرت صفو العلاقة بين الرياض وبيروت التي لطالما اتصفت على مدى أكثر من ثمانين عاما، بالمميزة، وامتدّت جذورها الى ما قبل استقلال لبنان حيث دعمت السعودية الاستقرار السياسي والاقتصادي بشكل متواصل. وكانت من أوائل الدول التي ساندت الاستقلال عام 1943 حتى ان الملك عبد العزيز آل سعود عبّر عن حبه وتقديره لبلد الارز بمقولته الشهيرة: "من مسّ لبنان فقد مسّ نجد". إلا أن هذه العلاقة مرّت في السنوات القليلة الماضية بفترات من التوتر رغم انها لم تنقطع تمامًا. وتجلى هذا التدهور الكبير في العلاقات عام 2017 بعد استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من الرياض، مما دفع السعودية إلى اعتبار الحكومة اللبنانية "حكومة إعلان حرب" بسبب سياسات "حزب الله"، ودعت مواطنيها الى جانب الإمارات والبحرين والكويت في 9 نوفمبر 2017، الى مغادرة لبنان وعدم السفر إليه. وارتفع منسوب التوتر بين البلدين بعد اعتراف الأمين العام لحزب الله بوجود مقاتلين وخبراء من الحزب في اليمن.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أعلنت المملكة أنها طلبت من السفير اللبناني في الرياض مغادرة البلاد، واستدعت سفيرها في بيروت قبل أن تتخذ مزيدًا من الإجراءات التصعيدية تجاه لبنان، بما في ذلك وقف الواردات اللبنانية كافة إليها، وسارت دول خليجية أخرى على خطاها. كما لا بد من الاشارة الى الأزمة غير المسبوقة بين بيروت والرياض على خلفية مقابلة أجراها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي اعتبر فيها إنّ الحوثيين "يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات"، وإنّ الحرب في اليمن "حرب عبثية" يجب أن تتوقّف. كما شكل ملف تهريب "الكبتاغون" عائقا آخر أمام العلاقة بين البلدين، واتخذت السعودية إجراءات واسعة أثّرت على التجارة والسياحة. ومع انتخاب رئيس جديد للبنان وزيارات دبلوماسية سعودية غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، عادت الإشارات الإيجابية لتضخ النبض من جديد في العلاقة بين الرياض وبيروت، ساعية لترميمها، وإعادتها الى سابق عهدها بعد مرحلة عصيبة اعتبرت "غيمة صيف" مرّت في سماء البلدين. اذ في كانون الثاني 2025، قام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بأول زيارة رسمية لبيروت منذ 15 عامًا، مؤكدًا دعم المملكة المشروط بإصلاحات اقتصادية ومؤسسية. وفي أول زيارة خارجية له بعد انتخابه، توجه الرئيس اللبناني جوزاف عون إلى السعودية في خطوة عكست رغبة بيروت في ترميم العلاقات مع الرياض. وقال عون إنه يأمل من خلال هذه الزيارة "التمهيد لزيارة لاحقة يتم خلالها توقيع اتفاقيات تعزز التعاون بين البلدين الشقيقين"، معتبرا زيارته للمملكة تأتي في اطار تقدير لبنان للدور الذي تلعبه في دعم استقرار لبنان وسلامته وانتظام عمل المؤسسات الدستورية فيه.
الاصلاح السياسي قبل الاقتصادي
واليوم، بعد حديث المسؤول السعودي الذي أكد إنّ الجهود الأمنية ستساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وان هذه التطورات قد تؤدي إلى تقدّم ملموس في التعاون السياسي والاقتصادي في المستقبل القريب، هل تنعكس هذه الايجابية واقعا ملموسا على الارض أو ان العوائق لا تزال كثيرة امام المسار السياسي ليعود لبنان الى الحضن العربي؟
النائب مروان حمادة اعتبر في حديث لموقع "وردنا" انه في حال أتى الوفد السعودي الى لبنان تكون بادرة خير. لكن، لا اعتبر ان الزيارات ذات الطابع الاقتصادي ستتطور الى ترميم العلاقات السياسية لأن ما من أحد راض، لا في الداخل ولا في الخارج، على سياسة وتعنّت حزب الله الذي يؤخر كل الاصلاحات والعلاقات. المهم اليوم الاصلاح السياسي قبل الاصلاح الاقتصادي، والسياسات الخاطئة هي التي أودت بالبلد الى ما هو عليه اليوم.
عودة العلاقات الى سابق عهدها الامس قبل اليوم
اما الوزير السابق رشيد درباس الذي تمنى عودة العلاقة بين بيروت والرياض، أشار الى انه اذا كانت الدول الشقيقة والصديقة تريد نجاح العهد، لا بد من تسهيل بعض الامور، وتعطيه فرصة ليظهر ان الامكنة حيث تتواجد الدولة بمؤسساتها تشكل نقيضا لحالة الاستعصاء التي يقوم بها حزب الله. نتمنى على الدول الشقيقة فتح الباب امام العهد الجديد لينجز بعض الامور الحيوية التي لا بد منها خصوصا المرافق العامة التي تتعلق مباشرة بحياة الناس كالكهرباء والنقل والمياه والنفايات والصرف الصحي. بهذه الطريقة يمكن للعهد ان يثبت للداخل والخارج انه يمارس سلطاته في تأمين مصلحة الناس، ويكسب ثقتهم. الدولة اللبنانية اليوم تقدم بوادر حسن نية من خلال محاربة الكبتاغون، وتمارس الرقابة على المرافىء والحدود والمصارف، والجيش يقوم بدوره، وينفذ المهمة المطلوبة منه جنوب الليطاني بكل أمانة. نحن نتمنى عودة العلاقات الى سابق عهدها الامس قبل اليوم لأنها تأخرت كثيرا.
ورأى ان الامور اليوم تختلف عن السابق بحيث ان الدول العربية والمملكة العربية السعودية وقطر كانوا يعيدون الاعمار في المناطق التي قصفتها اسرائيل ثم تعيد قصفها ثم يعيدون إعمارها. هم على حق اليوم بعدم اعادة الاعمار قبل استقرار الوضع، والتأكد ان لبنان لم يعد معرضا لأي اعتداء. لكن، في الوقت عينه، ما هو ملح وضروري حاليا، تفعيل المرافق التي يستفيد منها كل اللبنانيين، وهذا يمكن فقط من خلال تشجيع المستثمرين الخليجيين للاستثمار في المرافق العامة بمشاركة الدولة، وبذلك، يحققون الارباح كما يعطون الدولة مصداقية في مضيها بالاصلاح.
وأكد درباس ان حزب الله اليوم ليس ممسكا بزمام الامور كما في السابق بل هو متمسك بسلاحه فقط، وما يجري في الحكومة خير دليل. الاوضاع تغيرت عن السابق. لا يجوز ان نستمر في مقاربة الامور كمن يحاول معرفة ان كانت البيضة قبل الدجاجة أو الدجاجة قبل البيضة. لا بد من كسر البيضة للانطلاق في المسار التصحيحي. ومن الوسائل الناجعة والمتاحة والجيدة لتحجيم تأثير سلاح حزب الله هو ان تمارس الدولة واجباتها في المناطق التي تتواجد فيها، وتحدث فرقا حقيقيا بين مكان بسط سلطتها ومكان تواجد السلاح.


