يدفع كثير من شعوب المنطقة ثمن رفع السلاح في وجه إسرائيل، فيما يدفع شعب الأخيرة ثمن ما زرعته حكومته من حقدٍ وكراهية في نفوس الشعوب المحيطة على مدى سنوات. الكلّ حريص على وجوده، ولو على حساب إلغاء وجود الآخرين. الكلّ يسعى وراء الأمان المطلق، فلا الأمان مطلق، ولا هو قادر على كبح رغبته فيه.
حصد السابع من اكتوبر، إلى جانب الأرواح، بيوتاً وأزقّة كانت لأطفالها جسراً نحو غدٍ أفضل. ولم تتوقّف تداعياته في إسرائيل وغزّة، بل امتدّ ظلّها إلى لبنان واليمن وإيران...
وتحدثت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية عن نزوح ما يزيد عن 1.9 مليون فلسطيني — أي ما يعادل 85% من سكان القطاع — منذ بدء الحرب التي أعقبت عملية طوفان الأقصى. ومع اشتداد الغارات الجوية والقصف البري، لم يعد هناك "مكان آمن" في القطاع، كما تقول تقارير صادرة عن أوتشا والأونروا.
وفي إسرائيل، خلّفت العملية نحو مئتي ألف نازحٍ في مناطق الجنوب والشمال، فعملت الحكومة على إيوائهم في فنادق لتخفيف وطأة النزوح عنهم.
إلى ذلك، تجاوز عدد النازحين في لبنان الستّمئة ألف نازح، جاؤوا من الجنوب والبقاع وبيروت، بعدما امتدّت نيران الحرب إلى تخوم القرى والمدن. امتلأت المدارس والمراكز العامة بالعائلات الهاربة من الخطر، فيما لجأ آخرون إلى أقاربهم أو إلى خيمٍ نصبت على عجل في مناطق أكثر أماناً.
ومع تضاؤل قدرة الدولة على الاستيعاب، فتحت بعض الدول أبوابها لاستقبال قسمٍ من هؤلاء، كـسوريا — قبل سقوط النظام — والعراق، في مشهدٍ أعاد إلى الذاكرة موجات النزوح الكبرى في تاريخ المنطقة.
بعد قرابة عامين من هذه الحرب التي حصدت مئات البيوت الآمنة، انتهت بخطة ترمب، لكنها استعصت على أن تترك الخاسر يوقف خسارته، أو أن يعوّض عودته عمّا فقده من أشخاصٍ وأماكنٍ كان أكثرها قد اندثر.
يدرك أنه الخاسر الأكبر، لكنه ما زال يتساءل: إلى متى سيظلّ خاسراً؟