ترتفع الأصوات في لبنان مطالبةً بالإسراع في تنفيذ قرار الحكومة المتعلق بحصرية السلاح، لا سيّما بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة وموافقة كلٍّ من حماس وإسرائيل على "خطة ترامب للسلام". وفي ظلّ هذه التطورات، يُطرح السؤال حول دور "حزب الله" في المرحلة المقبلة، وهل سيؤدّي وقف إطلاق النار إلى سقوط ذرائع الحزب في التمسّك بسلاحه؟
يشير الكاتب السياسي مروان الأمين، في حديثه لـ"وردنا"، إلى أنّه من الطبيعي أن ينعكس اتفاق غزة على لبنان، لأنّ جزءاً مهماً من ملف غزة قد طُوي، ما يعني أنّ ملف إيران وأذرعها في المنطقة، ومن ضمنهم "حزب الله"، سيكون على طاولة المفاوضات بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وأضاف الأمين أنّ ما جرى في غزة من تراجعٍ وتنازلٍ من جانب حركة "حماس" جاء نتيجة ضغوطٍ قطرية وتركية مورست عليها، موضحاً أنّ هذه النتيجة كانت ثمرة عاملين أساسيين: الأول، تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه في حال عدم موافقة "حماس" على المبادرة، ستكون هناك ردة فعل عنيفة ضدها، وهو ما أخذته قطر على محمل الجد، خصوصاً بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت قياديين من الحركة في الدوحة. وعلى هذا الأساس، تحرّكت كلٌّ من تركيا وقطر للضغط على "حماس" ودفعها إلى القبول باتفاق وقف إطلاق النار.
أمّا بالنسبة إلى "حزب الله"، فيؤكّد الأمين أنّ وضعه مختلف تماماً، إذ إنّ الحزب مرتبط ارتباطاً عضوياً بإيران، وبالتالي لا يملك لا القطري ولا التركي أيّ قدرة على التأثير في قراراته. فصاحب القرار الأول والأخير داخل "الحزب" هو طهران نفسها، وليس القيادة المحلية، ولذلك فإنّ المعادلة في حالة "حزب الله" تختلف كليّاً عمّا جرى مع "حماس".
من جهةٍ أخرى، يذكّر الأمين بأنّ "حزب الله"، وتحت شعار "وحدة الساحات"، رفض فصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة، وهو ما أدّى إلى اندلاع حرب مدمّرة ما زال لبنان يرزح تحت تبعاتها حتى اليوم.
ويضيف أنّ مناطق بيئة الحزب تحديداً لا تزال تتحمّل الجزء الأكبر من هذه الأعباء، في وقتٍ مضت فيه حماس نحو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة من دون أن تُعير اهتماماً للنقاط المحتلّة في الجنوب اللبناني، أو لمصير عناصر وقيادات الحزب الذين تواصل إسرائيل استهدافهم، إلى جانب البُنى التحتية التابعة له.
ويشدد الأمين على أن حماس قدّمت مصلحتها الداخلية على حساب كل من ساندها، بما في ذلك "حزب الله"، أو حتى ضمن حدود مصالح الدول الراعية لها مثل قطر وتركيا. ويرى أن الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب اللبناني وبيئة الحزب لم تُثمر أي نتيجة عملية على الأرض، تماماً كما الشعب الفلسطيني وأهالي غزة، إذ كانت الحرب مجرد مكابرة سياسية من الطرفين، حماس و"حزب الله".
ورغم قبول حماس بوقف إطلاق النار في غزة، يؤكد الأمين أن المكابرة لا تزال مستمرة لدى "الحزب"، وكأن شيئاً لم يتغير.
ويتابع الأمين أن هذه المكابرة تأتي على حساب الإنسان أولاً، فبالنسبة لكلّ من حماس و"حزب الله" لا مكان لقيمة المواطن في معادلاتهم، إذ لا يأبهان لحجم الضحايا ولا للدمار الذي تخلّفه حروبهم العبثية. وعلى هذا الأساس، يرى الأمين أن "حزب الله" اليوم أمام امتحان حقيقي بعد ما جرى في غزة، فحماس رضخت أخيراً للضغوط وقبلت بوقف إطلاق النار، ولو في مراحله الأولى، ما يضع الحزب أمام تساؤلات صعبة حول قدرته على تبرير استمرار المعركة في لبنان.
ويرى أن لا مؤشرات حقيقية على استعداد "حزب الله" وإيران لتقديم أي تنازل يصب في مصلحة الشعب اللبناني. فلا يزال "حزب الله" يستخدم الجنوبيين كورقة في المفاوضات الإيرانية – الأميركية، وقد شهدنا زيارات علي لاريجاني المتكررة إلى بيروت وتصريحاته التي أكد فيها أن سلاح "الحزب" يشكّل "قيمة مضافة" و"ثروة" للبنان.
ويعتبر أن إيران لا تكترث للبنان أو لشعبه، سواء في حال اندلاع حرب في البلاد أو تعرّض اللبنانيين للدمار والقتل على مدى سنوات. فلبنان يُستَخدم كـ"ورقة تفاوض" إيرانية ضمن مشروعها ومفاوضاتها لتعزيز مكانة النظام الإيراني في المنطقة. لكن هذه الورقة لم تعد ذات أهمية لدى المجتمع الدولي، فلا أحد يسعى لشراء ورقة "حزب الله". وما تبقى منها اليوم هو الاستقواء على اللبنانيين والدولة اللبنانية من خلال منطق التخوين والتهديد، حتى تجاه الذين احتضنوا بيئة الحزب عندما تعرّضوا للخطر، بينما لم يسأل "الحزب" عنهم. وهذا ما يعكس، بحسب رأيه، انحطاطًا أخلاقيًا وقيميًا لدى "الحزب" وبيئته.
ويختم الأمين حديثه لـ"وردنا" مشدّدًا على أنه بعد أن ينطوي ملف غزة وحماس جزئيًا أو كليًا، سيصبح ملف "حزب الله" وسلاحه القضية الرئيسة على طاولة أصحاب القرار في تل أبيب. وأضاف أن الأيام المقبلة ستكشف كيفية التعاطي مع هذا الملف، سواء من خلال تصعيد عسكري أميركي – إسرائيلي ضد "حزب الله"، أو عبر الضغط على إيران لإجبارها على اتخاذ القرار بشأن سلاح الحزب في الداخل اللبناني. ويؤكد الأمين أن احتمال اللجوء إلى تصعيد عسكري ضد إيران أو "حزب الله" يبقى واردًا للغاية.