المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية جوزيف عون حول المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لإنهاء الواقع الحالي المتأرجح بين اللا سلم واللا حرب، وانسجاما مع التطورات والتغيرات السياسية الكبرى في المنطقة المتجهة نحو مسار السلام برعاية أميركية، تتصدر الاهتمام السياسي الداخلي الذي تجسد بلقاءات عديدة بين الرؤساء الثلاثة، وآخرها زيارة الرئيس نبيه بري الى قصر بعبدا، لمناقشة الملف من جوانبه كافة، وتذليل الهواجس، والاتفاق على موقف واحد موحد عندما توضع مسألة التفاوض على نار حامية.
الكل يترقب وصول سفير الولايات المتحدة الجديد إلى لبنان ميشال عيسى لمعرفة ما اذا كان يحمل في جعبته أي مقترح أميركي جديد يطلق عجلة مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل،لكن لبنان تبلّغ أفكارًا تمهيدية او عناوين عريضة للمفاوضات، يناقشها الرؤساء فيما بينهم بسرية تامة، تتمحور حول:
-إنسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلّها
-إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية
-ترسيم الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل
-وقف الاعتداءات العسكرية على لبنان بكل أشكالها. وهنا يشترط "حزب الله" بأن يسبق أي مفاوضات غير مباشرة وقفا للاعتداءات لأن التفاوض لن يحصل تحت ضغط النار.
- وهناك بند يُدرس جيدا رغم استبعاد أوساط متابعة لموقع "وردنا" أن تتم الموافقة عليه من الجانب اللبناني وهو خلق منطقة عازلة على الحدود الجنوبية، وهذا ما يفسر الضغط العسكري الاسرائيلي ومنع الاعمار في القرى والبلدات المدمرة.
المبادرة التي اعتبرها كثيرون خطوة شجاعة وجريئة من قبل رئيس الجمهورية، وتأتي في توقيت مناسب تزامنا مع ما يجري في المنطقة، وللاستفادة من "الطحشة" الأميركية في تحقيق السلام في منطقة الشرق الاوسط، أشار مصدر نيابي لموقع "وردنا" ان مجلس الوزراء سيعقد جلسة قريبة، وليس مستبعدا أن يطرح ملف التفاوض على الطاولة، لكن في الوقت عينه لا ننتظر أن يصدر أي قرار رسمي في هذا الشأن لأن الامور لم تنضج حتى اللحظة مع العلم ان هناك ارتياحا أو ترحيبا أميركيا وأوروبيا لمبادرة الرئيس اللبناني، وهذا ما تبلغه المعنيون في لبنان. على أمل الخروج من الدوران في الحلقة المفرغة خصوصا ان المفاوضات التي تعقد في مقر قيادة "اليونيفيل" في الناقورة لم تتوصل الى أي خرق إيجابي أو تفاهم لتطبيق اتفاق وقف اطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والتزم به لبنان فيما اسرائيل تستمر في خرقه، وتنفذ غارات على كامل الاراضي اللبنانية.
وفي السياق، أشارت المعطيات الى انه بدأ البحث في تشكيل الوفد المفاوض، توازيا مع النقاش القائم بين الرؤساء الثلاثة، والذي ربما يضم شخصيات ديبلوماسية وعسكرية وحقوقيين ووزراء من الحكومة، لكن لا شيء محسوم حتى اللحظة بانتظار البت في ملف التفاوض. ورغم انفتاح "حزب الله" على النقاش إلا انه يسجل اعتراضه على المشاركة السياسية والتفاوض المباشر على اعتبار ان ذلك يجر الجانب اللبناني الى التطبيع. وأكد أحد نواب الحزب أمس أن "لا تفاوض مباشر مع هذا العدو الصهيوني، فمهما طلب الخارج من لبنان الرسمي ولبنان الشعبي نحن نرفض هذا الطلب رفضاً قطعيا". لكن، أحد المراقبين سأل عبر "وردنا": من قال ان الدولة اللبنانية تريد المفاوضات المباشرة؟. اللبنانيون الذين يختلفون على كل شيء، يتفقون على موضوع التفاوض غير المباشر، وهذا ما أعلنه رئيس الجمهورية عند طرحه المسألة. الحديث عن تفاوض مباشر، والتركيز على هذه النقطة، مستغرب، ويهدف الى خلق الفتنة بين اللبنانيين، والتشويش على أي تقدم يمكن إحرازه في هذا الملف.
ووسط الحديث عن ان "حزب الله" يطلب ضمانة عربية في المرحلة المقبلة لتسليم سلاحه بعد أن اقتنع أن عقيدة القتال من أجل فلسطين انتهت، وتساؤلات عن موقف واشنطن من مبادرة الرئيس عون، أشارت مصادر مقربة من "الثنائي" الى ان المشهد يمكن اختصاره بسؤال: على ماذا التفاوض؟ ولماذا التفاوض طالما هناك 3 إتفاقيات دولية مع لبنان لم تُطبق: قرار وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني السنة الماضية، والقرار 1701، واتفاق الهدنة سنة 1949. الهدف من التفاوض ليس تطبيق أي قرار من هذه القرارات الثلاثة بل فرض الشروط الاسرائيلية. إذا، ليس هناك من بحث عن اتفاق أو تفاوض أو ضمانات إنما عن فرض الشروط الاسرائيلية وفق اتفاق جديد يلزم لبنان تحت الضغط العسكري والضغط المالي. ولا بد من الاشارة الى أن المفاوضات من دون أفق، وقد تستغرق سنوات، وهذه الرسائل وصلت لأكثر من مرجعية سياسية لبنانية بأنه يجب أن يكون هناك تفاوضا لكن لا ضمانات بالانسحاب الاسرائيلي أو وقف الاعتداءات. وما يجري في غزة خير دليل اذ أن الاسرائيلي لم يلتزم بالاتفاق الذي رعاه الرئيس الاميركي دونالد ترامب. وبالتالي، استدعاء لبنان الى المفاوضات هو استدعاء الى المساءة.
وأوضحت المصادر ان الشروط الاسرائيلية قائمة على 3 أركان:
- أولا، تحويل الجنوب اللبناني الى 3 مناطق أمنية: منطقة جنوب الليطاني، والمنطقة الثانية بين الليطاني والزهراني أما المنطقة الثالثة بين الزهراني والأوّلي.
-ثانيا، إقامة المنطقة العازلة والخالية في جنوب الليطاني.
-ثالثا، سياسة اليد الطويلة الاسرائيلية أي حرية الحركة أو الاعتداء. هذا ما تريد اسرائيل فرضه على لبنان الذي لا يمكن أن يقبل بهذه الشروط. وبالتالي، سيبقى الوضع على ما هو عليه. يمكن القول ان ملف التفاوض مات قبل أن يولد نتيجة فرض الشروط الاسرائيلية وعدم وجود الضمانات مع العلم اننا نتوقع إرتفاع منسوب الاعتداءات في المدى المنظور.
وفيما لفت حديث السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر روداكوف الذي أشار الى "الالتزام الصارم من جميع الأطراف بالاتفاقات السلمية المبرمة بين إسرائيل ولبنان، استنادا إلى القرار 1701. قيادة الحزب لا بد لها أن تقطع طريقا طويلا من التحول من حركة ذات طابع عسكري إلى قوة سياسية بحتة"، لا بد من التوقف عند أهم المحطات والاتفاقيات بين لبنان واسرائيل إذ كان أول اتفاق سنة ١٩٤٩، وسُمّي "اتفاق الهدنة". ثم في العام ١٩٧٨، عبر قرار مجلس الأمن رقم ٤٢٥، وهو ما أسّس لوجود قوات الطوارئ الدوليّة (اليونيفيل). والمحطّة الأبرز في التفاوض المباشر بين البلدين كانت في عامَي ١٩٨٢ و١٩٨٣، وخلصت إلى ما سُمّي اتفاق ١٧ أيّار الذي قضى بانسحاب القوات الإسرائيليّة من لبنان بعد اجتياح ١٩٨٢. وبعد حرب تموز ٢٠٠٦، كان اتفاق بين لبنان وإسرائيل على وقف إطلاق النار، وصدر القرار ١٧٠١ الذي نصّ على انتشار الجيش اللبناني جنوباً مع تعزيز وجود اليونيفيل. وجرت بين العامين ٢٠٢٠ و٢٠٢٢، مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة برعاية أميركيّة تولّاها الوسيط آموس هوكشتاين.