كأن لبنان يعيش في موسم معطل. الحرارة ترتفع في تشرين الثاني، الغيوم تمر من دون أن تمطر، والسماء تشبه تماماً المشهد السياسي: بلا قرار.
الشتاء الذي يتأخر ليس فقط في النشرات الجوية، بل في قاعات القرار. العالم ينتظر "تسوية"، واللبنانيون ينتظرون معجزة، فيما السلطة تكتفي بتقليب نشرات الطقس السياسية. الجميع يتنبّأ بالعاصفة، لكن لا أحد يملك مظلة الحل.
وفي هذا السياق، جاءت زيارة مورغان أورتاغوس كمؤشر على دخول واشنطن في مرحلة جديدة من التعاطي مع الملف اللبناني. فالتحرك الأميركي لا يهدف إلى "تحقيق تقدم" بقدر ما يسعى إلى احتواء التوتر ومنع الانزلاق نحو مواجهة أوسع. فواشنطن تدرك أن "الأمور لا تسير كما هو متوقع"، وأن التصعيد المتبادل بين إسرائيل وحزب الله بدأ يتخذ طابعًا خطيرًا، خصوصًا مع استمرار إيران في تسليح الحزب وتزايد مؤشرات إعادة التسلح جنوبًا.
فكيف للسماء اللبنانية أن تبقى تحت رحمة الغيوم الإيرانية!
النقاشات ما زالت نظرية، والتوصيات ضبابية. حتى المبادرة المصرية، التي تحاول استلهام نموذج غزة بنشر قوات دولية إلى جانب الجيش اللبناني في الجنوب، تصطدم بحقيقتها الصعبة:
كيف يمكن تحييد سلاح الحزب من دون نزعه؟
حزب الله رفض المبادرة رفضًا قاطعًا، معتبراً أن وجود قوات أجنبية في الجنوب بعد انتهاء مهمة الـ"يونيفيل" مساس بالسيادة. في المقابل، ترفض إسرائيل أي تسوية تبقي السلاح بيد الحزب، وتتمسك بحقها في التحرك العسكري متى شاءت، تحت شعارٍ واضح: "أمن إسرائيل أولوية مطلقة".
وهكذا، ترتفع حرارة الميدان كما ترتفع حرارة الطقس.
وكأن البلاد تعيش فصلًا طويلاً من الجمود المكيّف: لا حرب ولا سلام واضح، فقط انتظار معلق بين موسم لم يبدأ وفصل لا ينتهي.
الطقس، في النهاية، أصدق من الخطابات: حين تتأخر الغيوم، تجفّ الأرض. وحين يتعطل الحل السياسي، تجف الدولة. والفرق الوحيد أن الطبيعة تعرف مواعيدها؛أمّا السياسة في لبنان، فصارت خارج التقويم.
فمن يملك اليوم قرار المطر في هذا البلد؟
ربما وحدها العاصفة تعرف الحقيقة التي لم تأت بعد، لكنها آتية لا محالة.
وفي النهاية كما كتب فيكتور هوغو: "الشتاء هو فصل الصمت حيث ينتظر كل شيء ولادة جديدة".
ربما لا يزال في هذا الانتظار فسحة رجاء، علّ عاصفةً سياسية أو طبيعية تهب أخيراً لتغسل الغبار المتراكم فوق سماء الوطن، وتعيد إليه فصله المفقود.


