بمبلغ قدره 40 ألف دولار فقط، تحوّلت واحدة من أعجب التحف الطبيعية في العالم إلى ما يشبه "ملهىً ليلياً". مغارة جعيتا، التي تُعد من عجائب الدنيا الطبيعية، شهدت حفلاً موسيقياً ضخماً تخلّلته أصوات صاخبة وأضواء قوية ملأت تجاويفها الصخرية.
الحدث أثار موجة من التساؤلات: أين وزارة السياحة؟ وأين الرقابة الفعلية على هذا الموقع الوطني؟
حفل زفاف يتصدر العناوين
انتشرت خلال الساعات الماضية فيديوهات توثّق حفل زفاف أقيم للمرة الأولى داخل مغارة جعيتا. أظهرت المقاطع مجموعة من المدعوين يتمايلون على وقع الموسيقى الصاخبة وسط أضواء ملونة انعكست على جدران المغارة الحجرية، في مشهدٍ اعتبره كثيرون تعدياً على حرمة المغارة التي تُعد كنزاً وطنياً للبنان.
الحفل كان فخماً للغاية، إذ شمل العديد من الخدمات والفعاليات الراقية، وتم تجهيز المغارة بالكامل لاستقبال الضيوف، مع مؤثرات ضوئية وصوتية واستعراضات فنية، إضافة إلى تقديم الطعام الفاخر والمشروبات، في سابقة هي الأولى من نوعها.
اللي صار بمغارة جعيتا
— نيشان (@Neshan) November 4, 2025
مش “عرس”!
اللي صار مهزلة وطنية.
موقع مصنَّف من أعاجيب الدنيا صار ملهى لليلة وحدة لأن “الواسطة” أقوى من القوانين.
وزيرة السياحة… وينك؟
السكوت شَراكة.
وإلاّ بتعتبروا المغارة صالة أفراح رسمية؟
رئيس البلدية… شو دورك؟ حارس المَعْلَم
أو حارس المصالح؟
إدارة… pic.twitter.com/D5brYKuFHJ
المغارة بين العراقة والخطر
جدير بالذكر أن مغارة جعيتا رُشِّحت عام 2011 ضمن قائمة عجائب الدنيا الطبيعية السبع، وتخضع منذ سنوات لإشراف خاص يهدف إلى الحفاظ على تكوينها الفريد ومنع أي نشاط قد يعرّضها للتلف.
فالمغارة تمتلك نظاماً بيئياً دقيقاً يتطلّب بيئة مظلمة وهادئة، وقد حذّر عدد من الخبراء من أن مثل هذه الأنشطة الصاخبة قد تؤثر سلباً على الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش ضمن بيئتها الطبيعية.
وزارة السياحة تخرج عن صمتها
في أعقاب الضجة، أصدرت وزارة السياحة اللبنانية بياناً أكدت فيه أن إدارة مغارة جعيتا تُدار من قبل بلدية المنطقة بموجب عقد رسمي، وأن ما جرى لم يتم وفق الإجراءات القانونية المعتمدة.
ووفق البيان، فإن رئيس بلدية جعيتا كان قد تواصل شفهياً مع وزيرة السياحة لطرح فكرة إقامة الحفل داخل المغارة، من دون تقديم طلب خطي أو مستندات رسمية، وهو ما اعتبرته الوزارة مخالفة صريحة للقوانين التي تنظّم الأنشطة داخل الموقع.
تفاصيل إضافية من الوزارة
مصدر من وزارة السياحة كشف لموقع "وردنا" أن الوزارة ترفض ما حصل رفضاً قاطعاً، مشيراً إلى أن هناك اتفاقية موقّعة بين الوزارة والبلدية تتضمن معايير وقوانين يجب على البلدية الالتزام بها.
وبحسب المصدر، لا يحق للبلدية اتخاذ أي قرار أو إقامة أي نشاط دون الرجوع إلى الوزارة، كما ينص العقد الموقّع بين الطرفين.
وأضاف أن الوزارة كلّفت القسم القانوني بفتح تحقيق رسمي في الحادثة، سيتضمّن إجراءات قانونية ومتابعة دقيقة، على أن تُعلن الوزارة نتائج التحقيق والإجراءات المناسبة بحق الجهات المخالفة لاحقاً.
بين حماية الإرث الطبيعي وتشجيع السياحة
تحاول الوزارة دوماً الموازنة بين حماية الإرث الطبيعي وتشجيع الأنشطة السياحية، عبر القوانين والاتفاقيات التي تنظّم هذا التوازن.
لكن ما حدث في جعيتا يُظهر أن البلدية لم تلتزم ببنود الاتفاق الموقّع، إذ اكتفت بإبلاغ الوزارة شفهياً بدلاً من تقديم طلب رسمي مدروس للموافقة أو الرفض.
ويبدو أن الإغراء المالي الكبير كان دافعاً أقوى من الحرص على الحفاظ على هذا الكنز الطبيعي الثمين ومراعاة متطلباته البيئية الدقيقة.
الواسطة أقوى من القانون؟
وهكذا، تحوّلت عجيبة لبنان الطبيعية إلى محور جدل وغضب واسع، بعدما انتُهكت حرمتها وتعدّى الغرباء على خصوصيتها، في مشهدٍ أثار استياء اللبنانيين.
ويبقى الأمل أن تُعيد التحقيقات المرتقبة ثقة الناس بالوزارة، وأن تُتّخذ الإجراءات التي تحفظ حق المغارة وتحمي إرث لبنان الطبيعي من أي استغلال مماثل في المستقبل.


