تحتل سويسرا المركز المالي الأكثر سرية في العالم، تليها الولايات المتحدة، وفقا لشبكة العدالة الضريبية، وهي منظمة غير حكومية يتمثل هدفها الأساسي في المطالبة بمزيد من الشفافية.
وجاءت جزر كايمان وهونغ -كونغ وسنغافورة ولوكسمبورغ وألمانيا وتايوان والإمارات العربية المتحدة وجزيرة غرينزي (بحسب ترتيب تنازلي) في المراتب العشر الأولى، وفقا لمؤشر السرية المالية لهذه المنظمة غير الحكومية، بحسب تقرير نشر في العام 2018.
وقالت هذه المنظمة إن سويسرا، التي هي أكبر مركز عالمي للثروات المنقولة للخارج، قد أدخلت عدّة تحسينات على نظام السرية المصرفية في السنوات الأخيرة، بعد ضغوط متتابعة من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي و غيرهما.
الإمتياز المصرفي الذي تتمتع به سويسرا لم يعد كما كان، خصوصا بعد إعلان بنك كريدي سويس إعتزامه اقتراض ما يعادل حوالي 54 مليار دولار من المصرف المركزي في سويسرا.
وقال البنك المتعثر قبل أيام إنه قرر اتخاذ "إجراءات حاسمة" بصورة استباقية لتعزيز السيولة النقدية لديه.
وقالت الهيئات التنظيمية السويسرية إنها على استعداد لدعم المصرف "إذا لزم الأمر"، في ظلّ مخاوف من أزمة واسعة نتيجة انهيار مصرف سيليكون فالي الأميركي.
وشهدت أسهم كريدي سويس هبوطاً قياسياً بنسبة 24 في المئة.
وأمام هذه الأزمة وافق بنك (UBS) على شراء منافسه الأصغر "كريدي سويس" مقابل 3 مليارات فرنك سويسري، في صفقة تاريخية مع قيام المنظمين السويسريين بدور رئيسي في الصفقة، حيث سعت الحكومات إلى القضاء على عدوى تهدد النظام المصرفي العالمي.
"مع استحواذ UBS على "كريدي سويس"، تم العثور على حل لتأمين الاستقرار المالي وحماية الاقتصاد السويسري في هذا الوضع الاستثنائي"، كما جاء في بيان صادر عن البنك الوطني السويسري، أشار فيه إلى أن البنك المركزي يعمل مع الحكومة السويسرية وهيئة الإشراف على السوق المالية السويسرية لتحقيق دمج أكبر بنكين في البلاد.
الحكومة السويسرية لم تقف على الحياد لا سيما و أن ما جرى يمكن أن يهدد نظامها المصرفي برمته، وأظهرت وثائق أن بنكي كريدي سويس ويو بي إس، يمكن أن يستفيدا من دعم ستقدمه الدولة والبنك المركزي لهما، بنحو 260 مليار فرنك (280 مليار دولار)، ويعادل ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وأعلنت السلطات السويسرية، عن صفقة تتضمن تقديم دعم مالي كبير مع توفير ثلاث شرائح من السيولة والقروض، إضافة إلى تعهد بتحمل نحو 9 مليار فرنك (9.7 مليار دولار)، من الخسائر المحتملة جراء عملية الاستحواذ.
ويعادل إجمالي الدعم البالغ نحو 260 مليار فرنك (280 مليار دولار) ثلث إجمالي الناتج الاقتصادي لسويسرا والذي بلغ 771 مليار فرنك (832 مليار دولار) العام الماضي.
وفي مذكرة أُرسلت للموظفين بعد إعلان الصفقة، طمأن بنك كريدي سويس الموظفين بأن علاواتهم ستدفع بالكامل، معتمداً على برنامج دعم تابع للبنك المركزي السويسري، يعمل على توفير السيولة في حالات الطوارئ.
وقال ثاني أكبر بنك في سويسرا مؤخرا، إنه سيأخذ 50 مليار فرنك (54 مليار دولار) من البرنامج الذي يوفر التمويل بضمانات مثل الرهون العقارية والأوراق المالية، ويمكن للبنوك سحب المزيد من هذا التمويل طالما أنها تمتلك المزيد من الضمانات.
وأشارت بيانات المركزي، إلى أن كريدي سويس يُحتمل أنه استفاد بالفعل من التمويل.
وعرض المركزي على البنكين بعد اندماجها قرضاً بنحو 100 مليار فرنك (108 مليار دولار) ضمن حزمة توفير السيولة في حالات الطوارئ، ويتمتع هذا القرض بالحماية في حالة التخلف عن السداد.
وتسمح الشريحة الثالثة من الدعم المقدم بسحب 100 مليار فرنك إضافية من التمويل عبر دعم السيولة وهو ما تضمنه الحكومة السويسرية.
ويعد كريدي سويس من أكثر البنوك تأثراً باضطرابات الأسواق العالمية، نتيجة انهيار بنكي سيليكون فالي وسيغنتشر في الولايات المتحدة.
وقالت كارين كيلر سوتر وزيرة المالية السويسرية: "كان سيؤدي إفلاس كريدي سويس إلى أضرار جانبية ضخمة في السوق المالية للبلاد أيضاً، إلى جانب خطر انتقال الأزمة إلى يو بي إس، والبنوك الأخرى، وكذلك على الصعيد الدولي".
من جهته قال البنك الأهلي السعودي أكبر مستثمر في بنك كريدي سويس إن استراتيجيته لن تتأثر بانخفاض قيمة استثماراته في البنك السويسري الذي استحوذ عليه منافسه المحلي (يو.بي.إس).
واستحوذ البنك الأهلي السعودي، أكبر بنوك المملكة من حيث الأصول، على ما يقرب من عشرة في المئة من كريدي سويس مقابل 5.5 مليار ريال (1.46 مليار دولار) في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وهو من بين أكبر المساهمين في البنك السويسري المتعثر.
وقال البنك السعودي في بيان بالبورصة إن "أي تغيير في القيمة العادلة للاستثمار في مجموعة كريدي سويس لن يؤثر على توقعات وخطط البنك المالية لسنة 2023".
وأفاد البيان بأن الاستثمار في بنك كريدي سويس يشكل أقل من 0.5 في المئة من إجمالي أصول البنك السعودي التي تجاوزت قيمتها 945 مليار ريال حتى كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وليس من المتوقع أن يؤثر على الربحية.
عزز ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا ازدهارا اقتصاديا في منطقة الخليج العام الماضي، مع بحث صناديق الثروة السيادية والبنوك -التي تتدفق عليها السيولة- عن صفقات سانحة وسط توقعات بضعف الاقتصاد العالمي.
وفي كانون الثاني/ يناير زاد جهاز قطر للاستثمار، ثاني أكبر مساهم في كريدي سويس حصته في البنك السويسري إلى 6.8 في المئة. ويمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي (صندوق الثروة السيادي) 40 في المئة تقريبا في البنك الأهلي السعودي.
وقال دييغو لوبيز مدير منصة غلوبال إس.دبليو.إف إن صناديق الثروة السيادية الخليجية عملت كمنقذ خلال الأزمة المالية عام 2008، ويمكن أن تفعل ذلك مرة أخرى باستخدام فوائضها.
وقال "شهد عام 2008 العديد من الخاسرين بين صناديق الثروة السيادية ولكن مع وجود بعض الفائزين -وفي هذا السياق لن تمنع خسائر البنك الأهلي السعودي وجهاز قطر للاستثمار المستثمرين الخليجيين الآخرين من البحث عن فرص أخرى".
وقال بنك أبوظبي الأول، أكبر بنوك دولة الإمارات، في كانون الثاني/ يناير إنه فكر في تقديم عرض لشراء ستاندرد تشارترد المدرج في بورصة لندن لكنه أوقف ذلك. ومن المحتمل أن يعاود بحث الخطط.
وقال جاستن ألكسندر مدير خليج إيكونوميكس والمحلل المعني بدول مجلس التعاون الخليجي بشركة غلوبال سورس بارتنرز "من المحتمل أن تخلق أزمة البنوك الغربية نقاط دخول جذابة للبنوك الخليجية ذات رؤوس الأموال الكبيرة التي تفكر في عمليات الاستحواذ، مثلما فكر بنك أبوظبي الأول بشأن ستاندرد تشارترد".
في الختام و من مصلحة الجميع عدم السماح بانهيار البنك السويسري والا فسيكون لدينا تأثير الدومينو المخيف على النظام المصرفي الأوروبي وحلقة جديدة من الأزمة المالية، والتي، إضافة إلى ما نعرفه بالفعل، ستكون خطيرة للغاية.
وكالات