خاص

في بلد اعتاد أن يبيع كل شيء من المواقف السياسية إلى أصوات الناخبين لم يتبق سوى العلم، وها هو اليوم يعرض في المزاد.

في بلد انهارت فيه الدولة، وهربت الودائع، وسُرق القضاء من دوره، تتقدم فضيحة بيع الشهادات الجامعية كصفعة مدوية على آخر ما تبقى من صورة لبنان الثقافية.

كان يُظنّ أن هناك شيئًا واحدًا لن يجرؤ أحد على المس به: العلم. لكن الفساد تخطى المال والقضاء، ووصل إلى الشهادات الجامعية. لم يعد النجاح نتيجة تعب، بل نتيجة تحويل مالي. صار التلاعب بالعلم تفصيلاً إداريًا في لعبة فساد أكبر.

في بلد كانت جامعاته منارات فكر في الشرق، صار بيع الشهادات مجرد خطوة جديدة في مسار الانهيار.

في بلد كان التعليم فيه يوماً مصدر فخر، تحول العلم اليوم إلى سلعة تباع وتشترى. لبنان الذي بني على سمعته العلمية على أساتذته، وخريجيه، وجامعاته العريقة يجد نفسه اليوم ينتحر فكرياً. ضربة مباشرة لآخر ما تبقى من قيمة في هذا البلد: العلم.

في وسائل الإعلام يسمونها "فضيحة"و الفضيحة اليوم ليست مجرد خبر عابر في نشرات الأخبار؛ إنها إدانة كاملة لنظام تربوي وأخلاقي انهار بصمت. من "البكالوريا المنزلية" قبل سنوات إلى الشهادات العليا اليوم، تتكرر القصة نفسها: من يدفع أكثر، يتخرج أسرع.

جيل كامل يدفع نحو اللاجدارة، واللااستحقاق، واللامستقبل. حين يفقد العلم قيمته، يفقد الوطن مرآته الأخيرة.

اما في مجلس الوزراء، يسمونها "ملف" والملف اليوم في يد الدولة، ورئيس الحكومة نواف سلام طالب بتحقيق سريع. لكن اللبنانيين يعرفون هذا السيناريو جيداً: يبدأ التحقيق بعناوين عريضة، وينتهي بصمت ثقيل، حيث الملفات الساخنة تنتظر في الأدراج الباردة. ومن بين مئات الملفات المعلقة يأتي ملف الشهادات لينضم إلى اللائحة الطويلة للأسرار التي لا تفتح.

وهكذا، بين ملفات تُركِت في النسيان وضمائر تستقيل بصمت، يختزل مستقبل وطن كامل في ورقة مزورة، بينما الحقيقة تسجن خلف شعار "السرية القضائية". إنها جريمة ضد العقل قبل أن تكون جريمة ضد القانون.

يبقى العلم آخر الضحايا في وطن قرر أن يبيع كل شيء، حتى الحقيقة. فكيف يمكن لوطن يزوّر علمه أن يبني مستقبله؟

ومن هنا، تعود كلمات فيكتور هوغو لتقول كل شيء: "فتح مدرسة يعني إغلاق سجن". أما في لبنان، فحين تُزوّر الشهادات، يفتح السجن من جديد: سجن الجهل واللامسؤولية.

يقرأون الآن