مقالات

خاص "وردنا" - الهدوء المعلّق على صوت "الزنانة": اللبنانيون بين الخوف… وأسئلة المفاوضات

خاص

في الشارع اللبناني، يكثر الهمس تحت وطأة صوت "الزنانة" الإسرائيلية. اللبنانيون يجدون أنفسهم يوميًا أمام أسئلة متجدّدة عمّا يجري، فبعد أسابيع طويلة انحصر السؤال الشعبي بـ: "في حرب بعد ما يفلّ البابا؟"، قفز إلى الواجهة سؤال آخر: "دخلنا المفاوضات المباشرة مع إسرائيل؟ أم غير مباشرة؟"

تعيين السفير كرم… وبداية الجدل حول شكل المفاوضات

مع إعلان رئاسة الجمهورية تعيين السفير سيمون كرم عضوًا مدنيًا في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار “الميكانيزم”، بهدف بدء مفاوضات مع إسرائيل عبر هذه اللجنة، بدأت التساؤلات ترتفع: "ما الذي يعنيه ذلك؟"

يوضح دبلوماسي لبناني لـ"وردنا" أنّه طالما جلس المتفاوضون على طاولة واحدة، تصبح المفاوضات مباشرة دون شك. فبشكل عام، لا يجلس ممثلو دولتين متحاربتين وجهًا لوجه أثناء الحرب، بل يتم اللجوء إلى وسطاء.

ويضرب الدبلوماسي مثالًا بالحرب العالمية الثانية، حيث كانت ألمانيا تتواصل مع بريطانيا والولايات المتحدة عبر مندوبين يلتقون بوساطة طرف ثالث، ما يجعلها مفاوضات غير مباشرة. كذلك، فاوضت اليابان الولايات المتحدة عبر روسيا، في مفاوضات غير مباشرة أيضًا.

أما اليوم، فيشير المصدر إلى أنّ الوضع يختلف: مفاوض لبناني وآخر إسرائيلي قد يجلسان فعليًا إلى طاولة واحدة.

مفاوضات مباشرة… تمهيد لمفاوضات رسمية؟

من جهته، يوضح الكاتب السياسي وجدي العريضي لـ"وردنا" أنّ المفاوضات التي ستجري بين لبنان وإسرائيل هي مفاوضات مباشرة، وقد تثمر نتائج منذ لحظة جلوس الطرفين، مشيرًا إلى أنها قد تمهّد لاحقًا لمفاوضات "رسمية" بعد اتضاح الآلية.

هذه المفاوضات تأتي في إطار مسار أوسع أشار إليه الرؤساء الثلاثة، حيث أكد رئيس الجمهورية جوزاف عون أن المفاوضات تتمّ مع "عدو"، لكنّ واشنطن وتل أبيب لم تُقدّما بعد تصورًا واضحًا لآلية هذه العملية أو أهدافهما منها.

وتشير معلومات موثوقة، إلى أنّ لبنان دخل فعليًا في صلب المفاوضات، خصوصًا من خلال عمل لجنة "الميكانيزم"، وإلى أنّ الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس آتية من إسرائيل حاملةً وفق ما يُقال تهديدات إسرائيلية أو شروطًا محتملة للسلام، على أن تتضح الصورة خلال الساعات أو الأيام المقبلة بعد لقائها الرؤساء الثلاثة، خصوصًا أنّها تجنّبت اللقاء بهم في الفترة الأخيرة.

ويعتبر العريضي أنّ لبنان دخل مرحلة "البروفا" أو جسّ النبض، مؤكدًا أنّه لا أحد يستطيع اليوم إنكار أن المفاوضات قد بدأت، رغم أنّ الخلفيات ما تزال معقدة وحساسة.

مفاوضات الحرب… وتجارب التاريخ ولبنان نفسه

المفاوضات الرسمية غالبًا ما تأتي بعد حرب كبيرة أو عمليات عسكرية واسعة، لأنّ النزاعات عادةً تُختتم بتسوية. ويستعرض تجارب دولية عديدة خاضت مفاوضات مباشرة بعد حروب دامية:

مصر وإسرائيل بعد حرب 1973 وصولًا إلى كامب ديفيد 1978 ومعاهدة السلام 1979.

فيتنام الشمالية والولايات المتحدة في مفاوضات باريس 1973.

بريطانيا والجيش الجمهوري الإيرلندي وصولًا إلى اتفاق الجمعة العظيمة 1998.

أطراف حرب البوسنة في مفاوضات دايتون 1995.

كوريا الشمالية والولايات المتحدة بعد الحرب الكورية وهدنة 1953.

وفي السياق نفسه، يسجل التاريخ اللبناني محطات قليلة لمفاوضات مباشرة مع إسرائيل، أبرزها:

مفاوضات الهدنة في رأس الناقورة عام 1949 بعد حرب 1948، بمشاركة وفدين عسكريين لبناني وإسرائيلي مباشرة.

مفاوضات خلدة عام 1983 بعد الاجتياح الإسرائيلي، التي أدت إلى اتفاق 17 أيار، قبل أن يُلغى لاحقًا.

وفي ما عدا ذلك، اقتصرت الاتصالات على مفاوضات غير مباشرة: تفاهم نيسان 1996، ومفاوضات ترسيم الحدود البحرية (2020–2022) عبر وسيط أميركي.

مباشرة أم غير مباشرة؟ جدل التعريف والأدوار

المفاوضات غير المباشرة تُدار عبر وسيط ينقل الرسائل بين الوفدين. ولها نوعان:

جلوس كل وفد في غرفة منفصلة، كما حصل بين إيران وأميركا مؤخرًا.

جلوس الجميع في غرفة واحدة مثلثة، يوجّه فيها كل وفد كلامه للوسيط فقط.

لكنّ مصدرًا دبلوماسيًا مطّلعًا يرى أنّ المفاوضات الحالية لا تزال غير مباشرة، لافتًا إلى أن شكل الجلسة وتقسيم الغرفة يلعب دورًا في تصنيف نوع المفاوضات. كما يشير إلى أنّ زيارة البابا الأخيرة كان لها أثر إيجابي في دعم خطاب السلام.

ويكشف المصدر أنّ الوسيط المرجّح هو الأمم المتحدة، معتبرًا أنّ التكتم الذي سبق إعلان المهمة كان متعمّدًا، إذ ليس من المنطقي أن يُعيَّن سفير لمفاوضات مباشرة بهذا الشكل، أي أنه كان على اطلاع كامل على الملف منذ البداية، ما يعني أنّه لم يُفاجأ بالمهمة بل كان جزءًا أساسيًا من التحضير لها في الكواليس.

بين النص الدستوري ونبض الشارع

يستند رئيس الجمهورية في قراره إلى المادة 52 من الدستور، التي تخوّله التفاوض وإبرام المعاهدات بالتنسيق مع الرؤساء المعنيين. لكن العامل الحاسم الآن، بحسب مصادر مطّلعة، هو ردّة فعل الشارع اللبناني، إذ يمكن للرأي العام أن يؤثر بشكل مباشر على مسار المفاوضات، إيجابًا أو سلبًا، في لحظة شديدة الحساسية من تاريخ البلاد.

لبنان يقف اليوم على عتبة مرحلة تفاوضية جديدة، قد تكون مفصلية في تاريخه الحديث. الأسئلة كثيرة، والضبابية كبيرة، لكنّ المؤكّد أنّ مسارًا ما قد بدأ، سواء اعتُبر مباشرًا أو غير مباشر. ورغم التعقيدات الهائلة، فإن أي تقدّم في اتجاه التهدئة أو تسوية دائمة يبقى بارقة أمل لشعب يرزح منذ سنوات تحت الخوف والضغوط والانهيارات.

وفي الأيام المقبلة، قد تتضح الصورة أكثر، لكنّ الثابت أنّ لبنان دخل دائرة تحتاج إلى رصانة سياسية، ودعم شعبي، ورؤية واضحة لحماية مصالحه العليا في واحدة من أدقّ اللحظات.

يقرأون الآن