عامٌ مرّ على معركة "ردع العدوان" بالتمام والكمال، معركةٌ غيّرت وجه المنطقة وسجّلت سقوط نظام بشار الأسد وصعود الرئيس أحمد الشرع وتحالف الفصائل السورية إلى الحكم، وعودة سوريا إلى الحضن العربي والإقليمي. ولكن هذا السقوط أخفى حقائق مهمة أساسها انكفاء "الميليشيات الإيرانية" عن مساندة الأسد في حربه الأخيرة، خصوصًا "حزب الله" الذي انسحب في الساعات الأخيرة من سقوط الأسد من نقطته الأخيرة في حمص، ما سرّع الأحداث إلى أن وصلنا إلى المشهد الأخير: "سقوط نظام بشار الأسد".
الحلو: الضربات الإسرائيلية للحزب أضعفته في لبنان وسوريا
يُذكّر العميد المتقاعد خليل الحلو، في حديثه لـ"وردنا"، بأنه في صيف العام 2015 كان "الحزب" موجودًا في سوريا في ذلك الحين، ويقاتل مع بشار الأسد ويحاول بشكل مستميت المحافظة عليه. وفي ذلك الوقت قال سفير روسيا في بيروت، في ظل التدخل الروسي وقتها لإنقاذ نظام بشار الأسد: "لولا تدخلنا في المعركة لكان سقط بشار الأسد خلال أسابيع".
ويؤكد الحلو أن هذا لا يلغي دور "الحزب" في سوريا، الذي ساند بقاء بشار الأسد في الحكم بكل طاقته، إلا أن الذي ساعد في بقاء حكم بشار الأسد 9 سنوات إضافية هو التدخل الروسي وليس "الحزب". ولكن السنة الماضية، عندما بدأ الجيش السوري بالتراجع خلال معركة "ردع العدوان" التي بدأت بالتزامن مع وقف الأعمال العدائية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، وتزامنت في اليوم التالي مع بدء الهجوم على حلب.
ويشير إلى أنه في ذلك الوقت قالت "هيئة تحرير الشام" بقيادة "أحمد الشرع" آنذاك إنها لن تبدأ بالهجوم قبل أن توقف إسرائيل الحرب على لبنان، كي لا يتم اتهامها بالعمالة أو بالتنسيق بينهما. وفي هذه المرحلة كان "الحزب" في لبنان يطالب بوقف "إطلاق النار" من خلال الرئيس برّي، بسبب الضربات الموجعة التي أضعفت قوته.
كما يكشف أن الحرب التي بدأها مع إسرائيل أضعفته في لبنان وسوريا، لأن "الحزب" نفسه تعرّض أيضًا لضربات موجعة في سوريا بسبب إسرائيل. ففي حلب لم تحدث معركة من الأساس بين "جيش الأسد" و"هيئة تحرير الشام"، فكانت وتيرة السقوط سريعة حتى في حماة، إلى أن أتت المعركة الكبرى في حمص لأنها تحمي طريق "اللاذقية – طرطوس – دمشق"، ولكن سقطت حمص أيضًا من دون قتال.
ويختم الحلو حديثه لـ"وردنا" بأن هذه التطورات جعلت "الحزب" عاجزًا عن أن يقدّم أي شيء بعد ذلك، ناهيك عن أن قرار سقوط النظام هو قرار دولي والانكفاء الروسي وما إلى ذلك. وعلى هذا الأساس، فإنّ ما سرّع سقوط النظام هو "هريان" النظام نفسه من الداخل. ولا شك بأن "الحزب" ضُرب بشكل كبير لأن كل تمويله كان يأتي عن طريق مطار دمشق واللاذقية والأراضي العراقية، ومع سقوط الأسد لم يعد هذا كلّه موجودًا.
صخر: الحزب رأى أن بقاءه في المعركة ليس في مصلحته
الباحث في شؤون الأمن القومي والاستراتيجي العميد الركن المتقاعد يعرب صخر يقول في حديثه لـ"وردنا" إن انقلاب الوضع في سوريا منذ السنة الماضية وصولًا إلى اليوم يأتي في سياق متغيرات كثيرة وحاسمة أسهمت في تبدّل هذا المشهد.
أول هذه العوامل: الانهماك الروسي في أوكرانيا، ثم إنهاكُ الميليشيات الإيرانية في سوريا التي كانت إسرائيل خلال الحرب الماضية تستهدفها، كما كانت تستهدف حزب الله في لبنان ومن تبعه.
ويتابع صخر أن الضربات كانت يومية على مختلف الميليشيات الإيرانية، وعلى رأسها حزب الله، في المناطق القريبة من الحدود اللبنانية الشرقية والشمالية، حيث كانت تُستهدف الأنفاق وخطوط الإمداد واللوجستيات التابعة له بشكل متواصل. لذلك رأينا أن إسرائيل كانت تُنهك تلك الميليشيات يوميًا، سواء في غرب سوريا وشرق لبنان، أو في الجنوب السوري على كتف الجولان، أي المنطقة القريبة من القطاع الشرقي للجنوب اللبناني.
كما يكشف أن المسألة ليست تخلّي حزب الله عن بشار الأسد عند لحظة سقوطه، بل إن الأمر يعود إلى حالة الإنهاك الشديد التي أصيب بها حزب الله، سواء في لبنان أو سوريا أو عبر مختلف الممرات والخطوط والأنفاق الواصلة بين المنطقتين، وهذا ما استغله الرئيس السوري أحمد الشرع.
ويشير إلى أن اجتماع الإنهاك الروسي أولًا، ثم إنهاك حزب الله والميليشيات التابعة لإيران ثانيًا، إضافة إلى غياب إرادة القتال لدى جيش بشار الأسد، كل هذه العوامل ساعدت القوات التي انطلقت من إدلب نحو حلب ثم حماة فحمص وصولًا إلى دمشق على قلب الوضع رأسًا على عقب خلال عشرة أيام فقط، نظرًا لهذه العوامل.
ويؤكد صخر أنه بعد سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر، بقيت هناك العديد من خلايا حزب الله والميليشيات الإيرانية، إلا أنها انكفأت؛ فمنها ما اتجه نحو العراق، ومنها ما عاد إلى لبنان، ومنها ما ظلّ كخلايا نائمة في الجنوب السوري وفي الساحل، وقد تمكنت السلطات السورية الجديدة من التعامل معها لاحقًا وما تزال تتعامل معها كلما تنشطت.
ويعتبر أن حزب الله رأى في هذا التحول أن بقاءه في المعركة ليس في مصلحته، لأنها معركة خاسرة أمام هذا الزخم البشري والعسكري السوري الذي قلب الموازين. لذلك فضّل الانسحاب بدل خوض معركة غير مضمونة النتائج، ولكن بقيت له بعض الخلايا التي تستمر بمحاولات تهريب السلاح والمال من هنا وهناك، ونراها تقريبًا كل أسبوع كيف تضبط الإدارة السورية الجديدة شحنات أسلحة، ما يعني أن شحنات أخرى قد تكون مرّت.
ويكمل: "لذلك لم يخض حزب الله الحرب لأنها خاسرة بالنسبة إليه؛ فقد خسر في لبنان وخسر في سوريا، ولم يعد الوضع في صالحه، فآثر الانكفاء أو التحول إلى خلايا نائمة تنتظر الفرصة للتحرك".
ويختم صخر حديثه لـ"وردنا" قائلًا: "في هذه الأيام تظهر مؤشرات واضحة على استعدادٍ إسرائيلي لضربة ثانية ضد حزب الله في لبنان، مع مناطق جديدة قد تكون هدفًا لهذه الضربة، وفق ما تدّعيه العمليات العسكرية في سوريا. وهكذا تتجه الأمور نحو مسارات غير إيجابية بالنسبة إلى حزب الله، مع استمرار العمليات التي تُنهكه".
حمادة: معركة حمص كشفت ترهّل "جيش الأسد"
أما الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد خالد حمادة، فيؤكد من جهته لـ"وردنا" أن نظام الأسد نفسه ترهّل قبل أي عامل يُذكر، وبات سقوطه في الأيام الأخيرة بحكم الأمر الواقع، سواء من خلال عملية عسكرية كـ"ردع العدوان"، أو عبر عملية انتقال سياسي سلمي للسلطة مثلما تم التفاوض عليه مع النظام البائد في ذلك الحين.
ويعتبر حمادة أن سقوط النظام كان قرارًا دوليًا كبيرًا أكبر من طاقة إيران نفسها وميليشياتها، فما كان لحزب الله سوى الخيار الأوحد أمامه وهو الانسحاب، خصوصًا بعد الخسارة الكبيرة التي مُني بها في لبنان خلال حربه مع إسرائيل، وذلك بعد أن كانت معركة حمص كاشفة لترهّل جيش النظام أمام "هيئة تحرير الشام" آنذاك.
ويرى أن قرار سقوط نظام الأسد قرار دولي وعربي كبير بالاشتراك مع الموافقة الروسية على هذا الأمر، كونها عاملًا أساسيًا في ذلك الحين. فما كان لإيران سوى تجرّع "كأس السُّم" والانسحاب من المشهد في سوريا، باعتبار أن الأمر بات أكبر من طاقتها وطاقة فصائلها.
ويُذكّر، في ختام حديثه لـ"وردنا"، بأن "إيران لم تحكم سوريا إلا بعد أن تفاهمت مع الأسد الابن، وعلى أساس هذا التفاهم استولت إيران على الحكم في سوريا عن طريق التنازلات التي قدمها الأسد الابن لهذا الحكم. ولكن بعد التغييرات التي حدثت في الشرق الأوسط منذ ذلك الحين انتهى كل شيء، لذلك بقي الأسد وحيدًا من دون إسناد".


