ألقت الأزمة الإقتصاديّة بظلالها على كل القطاعات الحيويّة والثقافية في البلاد، بما فيها القطاع السينمائي الذي لا يزال يكافح من أجل البقاء.
و بيروت، التي وصفها الشاعر العربي نزار قباني بست الدنيا، ها هي اليوم تخسر مسارحها وصالاتها السّينمائية نتيجة نقص التّمويل وغياب الدعم، وهذا ما دفع بنا إلى طرح السؤال التالي: ما الثمن التي عليها أن تدفعه السّينما اللبنانية حتّى تبقى حيّة؟
واقع السينما المرير
تلقّى قطاع السّينما في لبنان ضربتين قاضيتين في السّنوات الماضية. الضّربة الأولى كانت مع انتشار فيروس كورونا وصدور إغلاق مراكز التّرفيه (مثل الأندية الرّياضيّة والملاهي اللّيلية ودور السينما)، من قبل لجنة متابعة الإجراءات الوقائيّة لفيروس كورونا في مجلس الوزراء، لضرورة تفادي الأماكن المكتظّة والتّجمعات وحفاظًا على التباعد الإجتماعي.
أمّا الضّربة الثانية، فجاءت مع تردّي الأوضاع الإقتصاديّة وانهيار العملة الوطنيّة أمام الدّولار الأميركيّ. ما أدّى إلى تباطؤ الحركة وعدم الإقبال على شراء التذاكر السّينمائية.
وكان لنقيب السّينمائيين صبحي سيف الدّين، رأيه الخاص ويشرح لموقع "وردنا" عن حالة الصّالات السينمائية الصعبة، فهي "شبه الخالية من الزّوار، بعد أن كانت مكتظّة بألف معقد". ويقول: "من ألف مقعدٍ إلى مئة في الصالة الواحدة، والحضور 50 بحدّه الأقصى".
وبدل أن يسترد الفيلم الواحد أرباحه من الأسبوع الأول، كما يحصل في مصر مثلًا، "نتهافت فرحًا من وجود نصف الزائرين في الصالة، إن حصل ذلك".
هل أصبحت السينما حكرًا على الأغنياء فقط؟ وأين الفقير من كل هذا؟
يرى سيف الدّين أنه نتيجة مرور البلد بظروفٍ أمنية وماليّة صعبة، لم يعد باستطاعة الفقير اليوم ارتياد الصالات، لأنّ شغله الشاغل ينصبّ في همومه المعيشيّة".
ويسأل بحسرةٍ: "من 1500 ليرة سعر ربطة الخبز، يستفيق المواطن اللبناني على سعرها التي يتعدّى الـ45 ألف ليرة، فأي سينما نتحدّث عنها وسط تلك الأزمات؟ ولو باستطاعته تأمين مأكله ومشربه، هل يستطيع قيادة سيارته وسعر صفيحة البنزين مليوني ليرة؟"
ويستطرد متأسفًا: "أنا هاوٍ للسينما ولا أستطيع زيارتها. همّي الأول والأخير، كسائر المواطنين، تأمين المأكل والمشرب والأدوية لعائلتي. المصاريف تكدّست علينا، في ظل دولرة الأسعار وتدنيّ الرواتب".
لا حلول آنية إلّا بالدولرة
ويتابع نقيب السّينمائيين صبحي سيف الدّين حديثة لـ"وردنا" قائلاَ: "حفاظًا على القطاع، سعينا لإنقاذه عن طريق دولرته، لكنّ القوانين لا تسمح لنا إلّا بالتعامل بليرتنا الوطنية، علمًا بأنّ الحكومة تتعامل بالدّولار وتشجّع الناس على شراء سلعهم على سعر السّوق السوداء"
وعن سؤال هل من حلّ يعيد نشاط السينما إلى لبنان، أشار النّقيب إلى أنّ "النقابة تضم حوالي 1400 عضوًا، بين مخرجٍ ومصورٍ ومهندس صوت... قسم منهم هاجر وانتشر في أرجاء العالم وحقّق الأرباح الهائلة، وقسم آخر لم يتمكّن حتّى من تجديد بطاقته ودفع 350 ألف ليرة شهريًا" (3 دولار على سعر صرف اليوم في السوق السوداء).
وأن الحل الأمثل لجميع القطاعات، يكون "باستعادة الدولة لدورها.. والتّصرف بضميرٍ تجاه بلدنا لبنان.. والعمل على تحسين الظروف الإقتصاديّة والمعيشيّة والأمنيّة".
المنصّات الرّقمية تهدد عرش السينما
"السينما اليوم باتت تجارة لا أكثر" هكذا وصف الحالة سيف الدّين، لافتاً الى أنه "ليس كل من تخرّج من معهدٍ لبنانيٍ، أصبح مخرج سينمائي، وليس كل من التقط صورًا عبر هاتفه وقام بعملية مونتاج يصنع فيلمًا".
ويختم بالإشارة الى أن المنصات الرقمية، ساهمت بدورها في اضعاف السينما، وباتت تشكل بديلاً عنها، خصوصاً وأنها توفر الوقت والمال.
السينما اللبنانية كانت بألف خيرٍ أيام الحرب الأهلية..
وبالعودة الى الزمن الجميل، أو العصر الذهبي للبنان، كان في بيروت قرابة 45 صالة سينما، أشهرها في شارع الحمرا مثل، الإلدورادو والسارولا وسينما الحمرا والبيكاديللي، عندما كانت هذه الصالات مقصداً للسياح العرب والأجانب. وكانت مقاهي شارع الحمرا، أو "الكافيه تروتوار" ملتقى المفكّرين والأدباء والشعراء والفنانين. وفي حين كانت القاهرة عاصمة الإنتاج السينمائي العربي، كانت بيروت يومذاك، عاصمة لدُور السينما في العالم العربي.
وبحسب أرقام اليونيسكو، بلغ معدّل ارتياد الفرد للسينما 22.5 مرّة في العام 1960، ووحدها هونغ كونغ سجّلت معدّلًا أعلى ذلك العام.
اليوم، هذه الصّالات لم تعد موجودة، منها استبدلت بمحال تجارية، ومنها لايزال مقفلا بانتظار من يرفع آثار الإهمال عنها، فلم يبق سوى بعض اللافتات مذكرّة اللبنانيين بأيام يتحسرون عليها، صنعت يوماً زمناً جميلاً.