كان زلزال السادس من شباط/فبراير الأكثر دموية وفتكا بالأرواح في تاريخ تركيا الحديث، وبسببه تجددت المخاوف من كارثة أكبر على الجانب الآخر من البلاد في إسطنبول، مما دفع مئات الآلاف إلى البحث عن منازل أكثر أمانا.
وتظهر بيانات رسمية أن حوالي خمسة ملايين من أصل 16 مليون شخص في أكبر مدينة تركية يعيشون في منازل معرضة للخطر، لوقوع المدينة في شمال خط صدع يعبر بحر مرمرة في شمال غرب البلاد.
ومنذ أن أودت الزلازل بحياة أكثر من 50 ألف شخص، يسيطر القلق على سكان المدينة بعدما أعاد إلى الأذهان ذكريات زلزال 1999 الذي أسفر عن مقتل 17 ألف شخص في المنطقة.
وانهارت عشرات الآلاف من المباني في زلزال شباط/فبراير مما أثار اتهامات بأن معايير البناء المتساهلة في جميع أنحاء تركيا ساهمت بشكل عام في الكارثة وأثارت مخاوف بشأن سلامة العديد من المباني القديمة في إسطنبول.
ومنذ وقوع الزلزال، تضاعف لثلاثة أمثال عدد الطلبات في إسطنبول لهدم وإعادة بناء المنازل المعرضة للخطر التي يعيش فيها ما يقرب من 500 ألف شخص.
وقالت سيفجي ديميراي (25 عاما)، التي قُتل عمها وأصدقاء لها في الزلزال بمدينة أنطاكيا "كنت أدرك الخطورة في إسطنبول، لكن عندما وقع مثل هذا الزلزال الكبير، بدأت أشعر أكثر بالواقع وبدأ القلق ينتابني".
وذكرت أن الخوف من وقوع مأساة أخرى دفعها إلى مغادرة إسطنبول لأنها لا تستطيع تحمل تكلفة توفير شقة جديدة هناك. وانتشرت مخاوف مماثلة بعد زلزال 1999، لكنها هدأت بمرور الوقت.
ولم يتضح عدد الأشخاص الذين غادروا إسطنبول في الشهرين الماضيين. وقال رئيس جمعية لنقل الأثاث، إن ما بين 15 إلى 20 شخصا يتصلون الآن بالشركات كل يوم لطلب النقل مقارنة بما بين ثلاثة إلى خمسة قبل الزلزال.
ويأتي الانشغال بالسكن في منزل آمن قبل انتخابات 14 أيار/ مايو التي يُنظر إليها على أنها أكبر تحد سياسي يواجهه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ ارتقائه لسدة الحكم قبل عقدين.
ووفقا لتقرير أصدره علماء الزلازل في عام 2019، من شأن زلزال بقوة 7.5 درجة على غرار زلزال شباط/ فبراير أن يلحق أضرارا متوسطة على الأقل بنسبة 17 في المئة من المباني البالغ عددها 1.17 مليون في إسطنبول التي تقع على مضيق البوسفور الذي يفصل أوروبا وآسيا.
ومع ذلك، قال علماء الزلازل إن كارثة شباط/فبراير لم تغير من احتمال وقوع زلزال في إسطنبول إذ تقع المنطقتان على خطوط صدع مختلفة.
غير أن العديد من السكان عبروا عن شعورهم بأنهم محاصرون ما بين أزمة تكلفة المعيشة بعد أن قفز التضخم إلى أعلى مستوى له في 24 عاما فوق 85 في المئة في تشرين الأول/أكتوبر وقلة احتمالات العثور على عمل في مكان آخر.
ووقوع أي كارثة في إسطنبول سيؤثر على الاقتصاد التركي لأن منطقة مرمرة الأوسع تمثل حوالي 41 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وقال مركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية بجامعة بهتشه شهير إن أسعار إيجار المنازل في تركيا ارتفعت بنسبة 190 بالمئة في شباط/فبراير مقارنة بالعام السابق مع ارتفاع أسعار الإيجار في إسطنبول بنسبة 138 بالمئة.
وقال وزير البيئة والتطوير العمراني مراد قوروم هذا الأسبوع إن حوالي 1.5 مليون منزل تعتبر معرضة للخطر في المدينة. ووفقا للبيانات الرسمية، يعيش أكثر من ثلاثة أشخاص في المتوسط في كل من هذه المساكن مما يعني أنها يعيش فيها ما يصل إلى خمسة ملايين نسمة.
وذكرت وكالة الإسكان التابعة لبلدية إسطنبول أنها تلقت طلبات لهدم وإعادة بناء 490 ألف منزل بسعر التكلفة.
ويصل هذا بالعدد إلى 25 ألف طلب ارتفاعا من 8600 قبل الزلزال.
غير أن وكالة الإسكان أوضحت أن 200 فقط من مقدمي الطلبات وصلوا إلى مرحلة البناء إذ يجب أن يوافق ثلثا السكان على الأقل في أي مبنى على المشروع.
وتلقت بلدية إسطنبول أكثر من 150 ألف طلب لتقييم سلامة بعض المباني. ومن المتوقع أن تستغرق هذه العملية عاما.
رويترز