يتوّج الملك تشارلز الثالث رسمياً، غدا السبت، في كاتدرائية وستمنستر، بعد تحضيرات استمرّت لأشهر، في مراسم تأخذ البعد الديني فيها، مكانة جوهرية.
وهذه الطقوس، هي تقليد تحافظ عليه الملكية البريطانية من قرون، وتستعيده في عام 2023، على الرغم من تغيّر الزمن، واختلاف السياقات المحيطة باعتلاء الملك عرش بريطانيا، وتنصيبه رأساً للكنيسة الأنغليكانية.
مراسم حفل التتويج
لا شك أن مناسبات العائلة الملكية في بريطانيا تحوّلت خلال السنوات الماضية، إلى عنصر جذب لوسائل الإعلام، سواء في الأعراس أو الجنازات. فبين زيجات وليام وهاري، وبين جنازات دوق إدنبره والملكة إليزابيث الثانية، سعي حثيث لإظهار الحرص على الأعراق الملكية العريقة، والحفاظ على التقاليد، على الرغم مما قد يراه الجمهور البريطاني، كتبذير للمال العام.
أجيال
ولكن تتويج تشارلز الثالث له أهمية خاصة، إذ أنه الحدث الأول من نوعه منذ تتويج والدته الملكة إليزابيث الثانية عام 1953، أي قبل سبعين عاماً، ما يعني أن أجيالاً جديدة ستشهد للمرة الأولى حدثاً مماثلاً.
وخلال سبعة عقود، بقيت الملكية ثابتة، لكن كل ما حولها قد تغير، خصوصاً علاقتها بالكنيسة، مع اختلاف منسوب التديّن بين الجمهور في بريطانيا، والتنوّع الديني الذي بات سمة في المجتمع الذي كان مسيحياً يتبع الكنيسة الأنغليكانية، في غالبه.
القانون البريطاني
ويمنع القانون في بريطانيا، تتويج أو توريث العرش لأي شخص غير بروتستانتي. وبحسب قانون التسوية الصادر عن البرلمان الإنكليزي عام 1701، تحصر ولاية التاج بالبروتستانت أتباع المذهب الأنغليكاني. وحتى العام 2013 كان القانون يحظر توريث الأشخاص المتزوجين من كاثوليك.
الديانة
بحسب الإحصاءات الرسمية، وتبعاً لآخر تعداد للسكان في إنكلترا وويلز لعام 2021، فإن أقل من نصف السكان، نحو 46.2 في المئة، يعرّفون عن أنفسهم كمسيحيين، في حين أن 37.2 في المئة منهم قالوا إنهم لا يعتنقون أي ديانة، أي نحو شخص من بين كل أربعة.
يعدّ ذلك تغيّراً ملحوظاً عن تعداد عام 2001 على سبيل المثال، حين قال أكثر من 70 في المئة إنهم يعرفون عن أنفسهم كمسيحيين، في حين لم تكن نسبة من يقولون إنهم لا يعتنقون أي ديانة، تزيد عن 15 في المئة.
ويعد الملك في بريطانيا "حارس العقيدة" وهو لقب منحه بابا الكنيسة الكاثوليكية ليو العاشر للملك هنري الثامن عام 1521، وبقي الملوك من بعده يحملونه حتى بعد انفصال كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر.
رأس الكنيسة
وبعد الانفصال، أقرّ البرلمان البريطاني تعيين الملك كرأس لكنيسة إنكلترا، وهو لقب حمله كلّ الملوك المتوجين منذ ذلك الحين، وسيحمله تشارلز الثالث أيضاً.
المفارقة، كما لاحظ عدد من المعلقين خلال أشهر الإعداد لمراسم التتويج، أن عدداً كبيراً من البريطانيين الذين سيشاهدون الحدث عبر شاشات التلفزيون، سيحتاجون لمن يشرح لهم ما الذي يدور في الكاتدرائية، لأن الغالبية لم تمارس الطقوس الدينية بشكل فعلي.
وفي الإطار ذاته، زادت نسبة من يعرّفون عن أنفسهم كمسلمين في بريطانيا من 4.9 في المئة في عام 2011 إلى 6.5 في المئة في أحدث إحصاء.
كذلك فإن 2 في المئة من السكان يعرفون عن أنفسهم كهندوس حالياً، في حين أن 2 في المئة ينقسمون بين يهود، وسيخ، وبوذيين، وديانات أخرى مثل البهائية والزرادشتية.
الاحتفال
احتفال التتويج سيكون مناسبة بحسب المنظمين، للاعتراف بالتنوّع الديني الذي بات سمة من سمات المجتمع البريطاني، ويعدّ من الملفات التي شكلت صورة تشارلز العامة منذ سنوات.
ففي التسعينيات، أثار الأمير تشارلز حينها جدلاً حين قال إنه عند اعتلائه العرش كوريث لوالدته، لن يكون "حارس العقيدة" فحسب، بل "حامياً لكل المعتقدات"، وفهم من ذلك يومها أنه ربما ينوي التخلي عن اللقب التاريخي خلال أدائه القسم.
وفي الواقع، لن يتخلّى تشارلز الثالث عن ألقابه الدينية، "كحارس للعقيدة ورأس لكنيسة إنكلترا"، لأن ذلك يتطلّب تعديلاً للقانون. لكن طقوس التتويج ستشهد مشاركة ممثلين عن مختلف الأديان، وذلك ما يفهم على أنه رغبة باحتضان العقائد والشعائر كافة، بما يتناسب مع شكل المجتمع البريطاني اليوم، بكل شرائحه.
وبحسب برنامج التتويج المعلن، سيتقدم مسيرة التتويج عند توجه الملك إلى كاتدرائية وستمنستر السبت، ممثلون دينيون عن المسلمين الشيعة والسنة، واليهود، والهندوس، والسيخ، والبوذيين، والجاينيين، والبهائيين، والزرادشتيين.
وفي مقدمة المسيرة، سيحمل صليب أهداه البابا فرنسيس للملك تشارلز، ويقال إنه يحوي ذخائر من صليب المسيح الحقيقي. وتعدّ هذه الخطوة دلالة على تجاوز الكنيستين الأنغليكانية والكاثوليكية لتاريخ الشقاق والاضطرابات بينهما، وانفتاح المذاهب المسيحية في بريطانيا على بعضها البعض.
