بيئة

الجفاف يهدد أنماط الحياة في العراق.. والنزوح خيار

الجفاف يهدد أنماط الحياة في العراق.. والنزوح خيار

يربّت مصطفى أحمد بيد حانية على جسد جاموس الماء قبل أن يربط كيس العلف حول رقبته، وهو يرعى القطيع الذي يملكه والده بمحافظة النجف في جنوب العراق، وهو نشاط توارثته العائلة على مدى أجيال، قبل أن يصبح شُحّ المياه سيفا يهدد بقطع الأرزاق وتغيير نمط الحياة بالكامل.

يشكل العراق جزءا مما يعرف بمنطقة "الهلال الخصيب"، وهي الأرض الممتدة من ساحل البحر المتوسط ​​إلى الخليج ويعيش أهلها على الزراعة منذ آلاف السنين.

لكن الأوضاع تغيرت والأحوال تبدلت وأصبح كل شيء مهددا بالدمار لعدة عوامل ومجموعة أسباب من بينها بناء السدود على منابع نهري دجلة والفرات، وتراجع هطول الأمطار وعقود من الصراعات.

يشكو أحمد عبد الحسين، والد مصطفى، النقص الحاد في المياه بحي المشخاب الذي يعيشون فيه، بحيث بات يفرض عليه بيع أفراد القطيع واحدا تلو الآخر، وهو شيء يترتب عليه إحساس بالألم وشعور بالمرارة خاصة لدى الابن.

يقول: "فقد القطيع أخيرا عجلا صغيرا يبلغ من العمر شهرين. أشعر بالأسى لفقده.. لأنني أحبهم فعلا.. الآن أصبح لدينا تسعة فقط".

وكان عدد أفراد القطيع في العام الماضي 20.

وتحدثت رويترز إلى ست من عائلات الرعاة والمربين في محافظة النجف، قالوا جميعا إنهم لم يكن أمامهم خيار ثالث خلال الأشهر الماضية، فإما بيع ماشية أو تركها تنفق أمام أعينهم.

وقال مسؤول محلي إن عدد جاموس الماء في منطقة أم خشم المجاورة انخفض من 15 ألفا قبل خمس سنوات إلى 9000.

يوضح المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية خالد شمال إن محافظة النجف لم يصل إليها سوى حوالي 40 في المئة من حصتها المعتادة من المياه في السنة الحالية.

وفي الأهوار بجنوب العراق يزداد الوضع سوءا في منطقة تعيش بالفعل حالة هشاشة بيئية. وتتعرض الأهوار الآن لأشد موجة حر خلال 40 عاما، وتقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إن ما يقرب من 70 في المئة من الأهوار أصبحت أرضا جرداء محرومة من المياه.

وأضاف المتحدث باسم وزارة الموارد المائية أن كميات المياه المتدفقة في نهري دجلة والفرات أصبحت أقل بنحو 70 في المئة هذا العام، مقارنة بالعقود السابقة.

ويشير المسؤولون والخبراء إلى بناء السدود على المنابع في تركيا وإيران، وتغير المناخ، وتقنيات الري التي عفا عليها الزمن، وغياب خطط الإدارة طويلة الأجل كأسباب جذرية لأزمة المياه التي تدفع الآلاف إلى النزوح من الريف.

وفي المشخاب، تحولت الأراضي على مد البصر إلى مساحات جرداء، وأصبح على حيوانات عبد الحسين تحمل هبات الغبار القادمة من أراض كانت تزرع في السابق، فيما لم يبق لقطيع الجاموس سوى القليل من المياه للحفاظ على برودة أجسادها.

وتؤثر نوعية المياه على صحة الحيوانات، ذلك لأن المياه الملوثة تضعف جهازها المناعي.

* دمار الزراعة

بالإضافة إلى نقص المياه، تتضافر مجموعة من العوامل والأسباب لزيادة معاناة المزارعين في محاولات تغذية حيواناتهم من بينها الانخفاض الحاد في إنتاج المحاصيل وارتفاع أسعار العلف.

تقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إن الأراضي المستخدمة في أنشطة الزراعة بجميع أنحاء العراق، انخفضت لحوالي نصف المساحة التي كانت مزروعة في عام 2020.

وفي محافظة النجف، تزداد الأوضاع سوءا بشكل لا مثيل له حيث تتدنى نسبة الأرض المُستَغلة إلى خمسة في المئة فقط من نظيرتها عام 2020 بعد أن توقفت زراعة الأرز بشكل تام تقريبا بسبب شح المياه.

وكان الرعاة والمربون على غرار عبد الحسين يزرعون أراضيهم بأنفسهم، أو يتحصلون على العلف الرخيص من مزارعي الأرز.

يقول عبد الحسين "عندما لا يأكل الجاموس ... لا يدر الحليب"، مضيفا أن دخله تضاءل بشدة بعد أن فقط مصدر ربحه الرئيسي، وأنه يجد صعوبات في توفير العلف الذي أصبح في الغالب مستوردا وأغلى ثمنا.

وأضاف بينما كان قرص الشمس يميل نحو الغروب على المشخاب "بعد أشهر قليلة ربما ينتهي كل شيء". وأشار إلى أن البديل الوحيد هو الانتقال إلى ضواحي النجف، حيث يعيش باقي أفراد أسرته، لكي يتمكن من الحصول على مياه الشرب.

تقول المنظمة الدولية للهجرة إن 62 ألف شخص نزحوا في جميع أنحاء العراق بسبب الجفاف حتى العام الماضي. وانتقل الكثيرون من الريف إلى المدن التي تعاني من ارتفاع معدلات البطالة وضعف الخدمات.

وفي غرفة جلوس قليلة الأثاث قال عبد الحسين إنه أخرج أولاده من المدارس منذ سنوات لمساعدته في رعاية القطيع، مضيفا أنه يشعر بالندم على هذا القرار "أكثر من أي شيء آخر".

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إن حوالي سبعة في المئة من القاصرين الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة و17 عاما يندرجون تحت وصف الأطفال العاملين أو فئة عمالة الأطفال بالعراق.

رويترز

يقرأون الآن