يبدو أن شهر أيلول/سبتمبر سيكون طرفه مبلول بكثير من التطورات السياسية والنتائج السلبية أو الايجابية المنتظرة بعد أن يتبين الخيط الأسود من الأبيض في مسعى الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي يصل الى بيروت في 11 الشهر المقبل وفق المعلومات الحالية مع العلم أن الزيارة تترافق مع كثير من القراءات والتحليلات المتناقضة إذ أن البعض يقول أن ما يقوم به لودريان يأتي بتفويض من اللجنة الخماسية فيما تسربت معطيات في اليومين الأخيرين تفيد أن هناك بعثات دبلوماسية، عربية وأجنبية، ترسل رسائل واضحة الى بعض القوى السياسية في لبنان تشير فيها الى أنّ ما يصل إليه الموفد الفرنسي من نتائج غير ملزِم لدول الخماسية التي لا توافق على المقاربة الفرنسية ولن تغطّيها خاصة لناحية الرسائل التي أرسلت إلى مجلس النواب، وأن بيان الدوحة واضح خصوصا فيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي وبمواصفات الرئيس.
على أي حال، فإن أيلول لناظره قريب، لكن الزيارة التي سيقوم بها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت يوم غد الأربعاء، ويلتقي خلالها رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وقائد الجيش العماد جوزيف عون، طغت على الزيارة الثالثة للموفد الفرنسي الى لبنان إذ تعددت السيناريوهات حول أهدافها: هناك من يقول أن هوكشتاين الذي نجح في انجاز ملف الترسيم البحري بين لبنان واسرائيل، من الطبيعي أن يطلع على عمل منصة الحفر، التي وصلت منذ أيام، في البلوك رقم 9، ليكون حضوره بمثابة الاحتفال بالانجاز. وهناك من يربط الزيارة بالترسيم البري، وأن هوكشتاين الذي سبق أن زار اسرائيل منذ مدة، يعمل على انجاز الملف بسرية تامة الّا أن مصدرا معنيا أكد في حديث لموقع "وردنا" أن "حدودنا البرية مرسّمة منذ سنة 1923 وتم التأكيد عليها سنة 1949، وهناك نقاط لبنانية تهيمن عليها اسرائيل، وأبرزها نقطة الـ B1 أي نقطة الارتكاز بين البر اللبناني والبحر من ناحية رأس الناقورة، وهذا الاعتداء له تأثير كبير جداً على الخط البحري وعلى الحدود الاقليمية البحرية. ليس هناك من منطقة متنازع عليها بين لبنان واسرائيل إنما نقاط من المفترض أن تتثبّت لأنه وفق القانون الدولي هي أراضٍ لبنانية، ومسجلة منذ سنة 1923 وتم تأكيدها سنة 1949. النقاط التي تسيطر عليها إسرائيل استراتيجية خصوصاً في رأس الناقورة"، مشددا على أنه "لا يجوز التفاوض حول الحدود البرية المرسّمة التي تحتاج الى التثبيت فقط. الحدود البرية واضحة".
أما أحد العمداء العسكريين المعنيين بالملف، فأوضح لموقعنا أن "القول بترسيم الحدود يعني أن ليس هناك من حدود مرسّمة بين بلدين، لكن الحدود البرية بين لبنان واسرائيل مرسمة في العام 1923، وكل الاحداثيات المتعلقة بالحدود من رأس الناقورة حتى تلال شبعا موجودة. وبالتالي، لا يجوز الكلام اليوم عن ترسيم الحدود البرية إنما تثبيت الحدود، ولبنان يحصل على حقه في البر حين نثبّت الحدود وفق اتفاقية الهدنة خصوصاً أن هناك 14 نقطة تعدٍ على لبنان، وهنا المشكلة الأصعب التي تتطلب حلاً لن يكون بهذه السهولة".
وقبل ساعات من صدور قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالتمديد لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل"، هناك من يعتبر أن زيارة هوكشتاين ستتناول هذا الموضوع الشائك بحيث بدت الدولة اللبنانية مربكة حياله خصوصا بعد أن لمست التمسّك الدولي بتوسيع مهام قواتها، ومنحها صلاحيات التحرّك من دون مواكبة من الجيش اللبناني أو التنسيق المسبق معه في حين أن هذه الخطوة تشكّل استفزازاً لـ"حزب الله" المرتاب من دور قوات "اليونيفيل"، ويرى أنها "تقوم بدور تجسسي"، لمعرفة ما إذا كانت المنازل والأحياء في القرى الحدودية تحتوي على مخازن أسلحة تابعة له.
وفيما أكد أحد المواكبين للملف لموقع "وردنا" أن "العودة إلى القرار الذي كان معتمداً قبل عام 2022 يشكّل ضمانة ليس للبنانيين فحسب، بل يوفّر غطاءً أمنياً لقوات اليونيفيل، ويحدّ من الاحتكاك بينها وبين الأحزاب والمدنيين في منطقة عملها" الّا أنه اعتبر أن التلويح بتفويض قوات الطوارئ بمهام واسعة تحت الفصل السابع يأتي من قبيل الضغط على لبنان، خصوصا أن لهذا الأمر سياق قانوني وأن الأمم المتحدة ليست في هذا الجو ، والأمين العام بإمكانه أن يضع ملف الفصل السابع على جدول أعمال مجلس الأمن في حالتين. الأولى إذا حصلت حوادث كبرى في البلاد، والثانية إذا تقدمت جهة كبيرة داخل لبنان بطلب في هذا الاتجاه.
وعلى باب الشهر الحادي عشر من الشغور في رئاسة الجمهورية، لم تستبعد أوساط معنية أن يحمل هوكشتاين رسائلا سياسية متعلقة بالاستحقاق الرئاسي رغم أن الأمور لم تتبلور بعد خصوصا في ظل الحديث عن صعوبة نجاح لودريان في تحقيق أي خرق رئاسي .
وفي هذا السياق، تواصل موقع " وردنا" مع مختلف الأطراف السياسية من المعارضة والموالاة الذين أكدوا أنه لم يتم التواصل معهم لا من قريب ولا من بعيد بشأن زيارة هوكشتاين، وليس لديهم أي معطيات عن الزيارة وأهدافها الّا أن أحد الخبراء المقربين من الإدارة الأميركية، أوضح في حديث لموقعنا أن موضوع استخراج النفط والغاز هو الأساس بالنسبة للدبلوماسية الأميركية خاصة بعد الحرب الأوكرانية، وتعمل إنطلاقا من مصالح أساسية متعلقة بالطاقة وسعرها العالمي، وتعتبر المواضيع الأخرى تدور في فلكها حتى الإستحقاق الرئاسي. وبالتالي، أولوية الولايات المتحدة كانت منذ قبل الشغور الرئاسي، التوصل الى تسوية لترسيم الحدود البحرية، وصولا الى انتاج الغاز في المستقبل كجزء من بدائل الغاز الروسي في أوروبا، إضافة الى أنه يساهم في استقرار المنطقة بحيث أن أميركا تريد التركيز على جبهة مفتوحة أي أوكرانيا. اليوم، هوكشتاين يريد أن يبني على انجازه، وأن يحصّن مسألة التهدئة. ولا ننسى أن الزيارة أتت بعد نصف اتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بشأن الإفراج عن الرهائن من جهة مقابل الإفراج عن 6 مليار دولار من جهة أخرى. وهنا نشير الى أن هوكشتاين لا يتعاطى بالإستحقاق الرئاسي خصوصا أنه يستلم الملف الأهم بالنسبة للولايات المتحدة أي النفط، لكن قد يتبع الإنتهاء من ملف النفط، تسوية سياسية، وهذا ما يتم التفاوض عليه في الكواليس اليوم.
وفي الخلاصة، الحراك الرئاسي درجة ثانية بالنسبة للأميركيين، لكنه قد يصبح أولوية لهم بعد الطمأنة على حسن سير عملية إستخراج النفط والغاز.