بعدما انكفأت اللجنة الخماسيّة، وبعدما طارت مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، وبعدما قطعت الطريق على المبادرة الحواريّة التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ودفعت اعتراضات واشتراطات بعض الأطراف منها برئيس المجلس الى طَيّ صفحتها بحيث باتت غير موجودة، تحوّلت كل الحواس السياسية الى رصد الحركة الصامتة التي يقوم بها الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني.
ظاهر الصورة الداخلية يوحي وكأنّ ثمّة مبادرة قطرية تمتلك من الزخم ما يمكّنها من اختراق جدار التعطيل الرئاسي الذي يُنهي بعد ايام قليلة شهره الحادي عشر، وتؤسّس الى حلّ يبعث الدخان الابيض من المدخنة الرئاسية. الا أن في باطن الصورة، وبناء على التجارب السابقة التي آلت كلها الى الفشل، تستوطن علامة استفهام كبرى حول ما اذا كانت هذه المبادرة محصّنة فعلاً وتستبطن افكاراً وطروحات جدية تجعلها تسري في هشيم التناقضات الداخلية، وتلقى التجاوب معها الذي ينجيها من ان تلقى المصير ذاته الذي انتهت اليه المساعي السابقة؟
الموفد القطري الذي مدد إقامته في بيروت يطبق على حركة لقاءاته كتمانا شديدا، ووطّن نفسه خلف جدار من الصمت. ويواصل مهمته داخل الغرف المغلقة، من دون ان تبدر منه ايّ اشارة ولو طفيفة تؤكّد تحليلات وسيناريوهات منجّمي الداخل، التي تسيل بالتوازي مع حركته. بل انّ مصدراً على صلة بحركة لقاءاته، وعندما استوضحته "الجمهورية" حول دقة ما قيل عن ان مهمة الموفد القطري محددة بطرح خيار رئاسي معيّن، اكتفى بالقول: "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، لسنا معنيين بالتعليق على ما ينشر او يقال". ثمّ استدرك وأضاف: "ما نريده هو الخير للبنان واهل لبنان، وإن شاء الله نصل وإيّاكم الى هذا الخير".
على انّ مرجعا مسؤولا مطلعا على تفاصيل المهمة القطرية أكد لـ"الجمهورية" انّ "الموفد القطري يحمل شيئا يبدو جديا، لن أدخل في تفاصيله".
وعما تردد أنّ هذا الطرح يمكن أن يعجّل بانتخاب رئيس للجمهورية خلال فترة قصيرة، قال المرجع: كما سبق وقلت، هناك شيء ما، ولكن لا نستطيع ان نصدر حكما مسبقا عليه. فالافضل أن ننتظر ما سينتهي اليه، وساعتئذ يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، وإن شاء الله نصل الى توافق. وحسناً فعل (الموفد القطري) بالتعتيم على حركته والسرية التي ينتهجها في لقاءاته ومداولاته بعيدا عن الاضواء فهذا يخدم مهمته، خلافاً للصخب السياسي والإعلامي الذي رافقَ مهمة لودريان، واغرق الداخل بتحليلات وقراءات مختلفة وطروحات مُختلقة، شَوّشت المزاج العام. وفي النتيجة غادر لودريان خائبا، حتى لا نقول اكثر من ذلك".
اللافت في هذا السياق ان بعض الاوساط قدمت زيارة الموفد القطري على انها تخدم حصرا وصول قائد الجيش العماد جوزف عون الى رئاسة الجمهورية، الا انّ مصادر سياسية واسعة الاطلاع أكدت ان هذا الامر ليس بجديد، ولنفرض ان ذلك صحيحاً، فهل في استطاعة قطر ان تجعله أمراً واقعاً لا بد منه، في واقع لبناني متمترس خلف بلوكات سياسية مختلفة عجزت كل المحاولات المحلية والخارجية عن ان تدفع بها نحو مساحات مشتركة او أن تحدث نقاط تقاطع في ما بينها"؟.
واذا كانت المصادر عينها تؤكد جازمة انّ مهمة الموفد القطري، وبمعزل عما يحمله من طروحات، ليست بالسهولة التي يفترضها البعض، فالانقسام الداخلي يُعيقها، فإنها في الوقت نفسه تُعرب عن رَيبتها مما سمّتها الروايات الوهمية غير البريئة التي تنسجها بعض المنصات السياسية وغير السياسية حول هذه المهمة. والتي تحاول أن تأخذها في الاتجاه الذي يخدم طروحات وتوجهات بعض اطراف الصراع الرئاسي.
وسط هذه الاجواء، تدخل مهمة الموفد القطري كم يجرّب حظه، في حقل صعب ومعقد، مثقلة بانفراط اللجنة الخماسية، وتراجع المسعى الفرنسي، ووصول مبادرة بري لحوار السبعة ايام الى حائط مسدود جرّاء الاعتراضات المباشرة عليها من القوات اللبنانية وبعض حلفائها، والرفض المُغطّى باشتراطات من قبل التيار الوطني الحر.
الرئيس نبيه بري الذي ينتظر ما ستؤول اليه مهمة الموفد القطري، ويأمل ان يتوج كل مسعى لحل الازمة بما يمكنه من تحقيق الغاية المنشودة وانهاء الازمة القائمة. ابلغ الى "الجمهورية" ما يفيد أنّ مبادرته باتت غير موجودة، وقال ردا على سؤال: "لقد أديتُ قسطي للعُلى، وطرحت مبادرة الحوار ورفضوها، ولم يعد لديّ شيء، وليتفضّل من رفضوها ان يقدموا لنا بديلاً عنها، فهل يملكونه"؟!
أضاف: "هذه المبادرة كانت تشكل الفرصة الثمينة لتجاوز هذه الازمة، لا بل كانت تشكل المعبر الاسهل لانتخاب رئيس للجمهورية، ومن خلالها فتحنا باب الحل الرئاسي، وحَدّدنا طريق الخلاص فأقفلوه. فقد كان في مقدورنا ان نجتمع، فإن توافقنا فهذا خير للبلد، وإن لم نتوافق، فلا يعني ذلك نهاية الطريق، بل في كلا الحالين ننزل الى مجلس النواب ونَحتكم الى صندوقة الاقتراع في جلسات انتخاب متتالية ومفتوحة حتى نتمكّن من انتخاب رئيس للجمهوريّة، وليربح من يربح، ولكن مع الأسف عارضوها ورفضوا الحوار. اخشى انّ هناك من لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، بل واكثر من ذلك، لا يريد للأزمة ان تنتهي".
ورداً على سؤال حول المرحلة المقبلة وما قد تحمله من صعوبات: قال بري: "المؤسف انّ هناك مَن يتعمّد قطع كل طرق الحل الداخلي، وإن بقينا على هذا المنوال، فلا أرى في الافق اي انفراجات".