يعتقد اقتصاديون، بل وبعض من كبار المسؤولين الإسرائيليين، أن الاحتجاجات العنيفة التي نظمها الشباب بدعم من حركة "حماس" الحاكمة في غزة على مدى أسابيع تعبر عن شدة وطأة الضغط المالي في القطاع الذي تحاصره إسرائيل.
ومن المفترض أن الاحتجاجات اندلعت بسبب معاملة السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وزيارات الجماعات اليهودية لحرم المسجد الأقصى بما يضم من ساحات ومبان.
لكن مسؤولا إسرائيليا بارزا أشار إلى ضبط النفس النسبي الذي تحلت به "حماس" التي لم تنضم رسميا إلى الاحتجاجات ولم تطلق مزيدا من الصواريخ على إسرائيل. وأشار إلى أن السبب الأكثر مباشرة للاضطرابات يتعلق بتفاقم البؤس الاقتصادي في غزة أكثر من تعلقه بالمطالب الوطنية الفلسطينية القائمة منذ فترة طويلة.
وقال المسؤول الإسرائيلي الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، إن "الاحتجاجات تتعلق بالمال.... ما نراه على السياج (الحدودي) هو رسالة. إنهم يطلبون المساعدة المالية".
ويعيش نحو 2.3 مليون شخص في الشريط الساحلي الضيق الذي يبلغ دخل الفرد فيه نحو ربع نظيره في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، ويعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وفي اضطرابات الآونة الأخيرة، رشق الشباب الفلسطينيون القوات الإسرائيلية بالحجارة والعبوات الناسفة على طول السياج الحدودي، ورد الجنود بإطلاق الرصاص الحي. وعاد الهدوء الأسبوع الماضي بعد مفاوضات شارك فيها مفاوضون من مصر والأمم المتحدة وقطر.
مطالب سياسية
وقالت مصادر مقربة من جهود الوساطة إن بعض مطالب "حماس" سياسية، لكن تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على غزة محوري في الحفاظ على الهدوء على طول الحدود على الأقل.
وتتوقع المصادر أن تعلن إسرائيل عن تخفيف للحصار في الأيام المقبلة وقد يتضمن هذا إصدار مئات التصاريح الإضافية للعمل في إسرائيل. وتحاصر إسرائيل القطاع فيما تفرض مصر قيودا مشددة عليه مما ساعد على إصابة اقتصاد القطاع بالشلل.
وفي عام 2021، خاضت إسرائيل حربا استمرت 10 أيام مع حماس، ومنذئذ خففت بعض القيود المفروضة على غزة، وقدمت آلافا من تصاريح العمل بالإضافة إلى إجراءات لتيسير التصدير وتحسين المرافق المتهالكة بعد سنوات من شح الانفاق عليها.
وقف إطلاق نار هش
وجاء في تقرير أصدره صندوق النقد الدولي في الآونة الأخيرة أن "رفع الحصار وتخفيف القيود التي تفرضها إسرائيل أساسي" لتحقيق أي انتعاش اقتصادي مستقر وطويل الأمد في غزة.
وقال التقرير إن غزة تخلفت كثيرا عن الضفة الغربية على مدى خمسة عشر عاما ماضية، ويرجع هذا في الأساس إلى سنوات العزلة والصراع المتواتر بعد وصول حماس إلى السلطة عام 2007. ويتلقى 77 في المئة من الأسر في غزة مساعدات، معظمها في صورة نقد أو مواد غذائية.
ومع ارتفاع معدل البطالة الرسمي في غزة إلى أكثر من 46 في المئة، واجهت حماس نفسها استياء هائلا من إدارتها الاقتصادية، لكن الحركة تحمل الحصار الإسرائيلي مسؤولية المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها القطاع.
أوضاع هشة
وقال مسؤول الدائرة السياسية في حركة حماس بقطاع غزة باسم نعيم، "كل هذه مؤشرات أن الأوضاع هشة وأي مسؤول في قطاع غزة لن يسمح لهذا الانفجار أن ينفجر للداخل، وإذا كان ولابد أن ينفجر فلينفجر باتجاه الجهة التي سببت هذه الأوضاع وهي الاحتلال".
ويقول زعماء من حماس إن أي هدوء في غزة سيظل هشا ما لم ترفع إسرائيل الحصار وتضع نهاية "للإجراءات العدوانية والاعتداءات في الضفة الغربية والقدس"، لكنهم لا يبدون أي بادرة تدل على اهتمام بخوض حرب جديدة.
وأدركت إسرائيل العواقب المحتملة لحالة عدم الاستقرار في غزة، ومن ثم أصدرت أكثر من 18 ألف تصريح عمل للفلسطينيين هناك، مما سمح للعمال بالحصول على نحو مليوني دولار يوميا وعرضت أشكالا أخرى من الإغاثة الاقتصادية.
وقال بلال النجار الذي كان يكسب ما بين 30 إلى 35 شيقلا (7.70 إلى 9.05 دولار) يوميا كبائع خضروات في غزة قبل أن يكسب 10 أمثال هذا المبلع من عمله في مطعم بمدينة اللد بجنوب إسرائيل "التصريح هو كل شيء بالنسبة لي، هو حياتي، إذا التصريح وقف (توقف) أنا بأوقف (حياتي تتوقف)".
قطاع الملابس
وشهد قطاع الملابس في غزة، وهو أحد المستفيدين الرئيسيين من أي تخفيف للحصار، ارتفاعا في المبيعات بمقدار 10 أمثال منذ عام 2015، وهو العام الذي تلا حربا سابقة، ومن المتوقع أن تتجاوز إيرادات هذا العام 22 مليون دولار التي تحققت في عام 2022.
وقال رئيس مجلس إدارة شركة يونيبال بشير البواب، أحد أكبر مصانع الملابس في غزة التي لديها شراكة مع شركات إسرائيلية "إذا كانت جميع المعابر مفتوحة والوضع السياسي ممتاز تصبح كل الأمور مهيئة بقطاع غزة لوضع انتعاش أكبر بالنسبة للعمل وللمستوى المعيشي".
والشهر الماضي، فرضت إسرائيل حصارا قصير الأمد على الصادرات من غزة بعد أن قال مفتشون إنهم اكتشفوا محاولة لتهريب متفجرات إلى الضفة الغربية. ثم أعقبت ذلك بإغلاق نقاط العبور التي يستخدمها العمال الذين يذهبون لعملهم في إسرائيل والضفة الغربية ردا على الاحتجاجات الحدودية.
رويترز