تحي إسرائيل الذكرى الخمسين لحرب عام 1973 التي وضعتها على شفا هزيمة كارثية، لكن الوحدة في زمن الحرب التي ساعدتها على البقاء تبدو مجرد ذكرى بعيدة بالنسبة لجيل تتزايد بينه الخلافات.
بدأت الحرب بهجوم مباغت على جبهتين من قبل أرتال الدبابات السورية والألوية المصرية، مما فاجأ القوات الإسرائيلية في بداية يوم الغفران، أقدس يوم في التقويم اليهودي.
وبسبب عدم استعداد الجيش الإسرائيلي ووجود العديد من الجنود في اجازة، تراجعت القوات الإسرائيلية في البداية قبل أن تستعيد زمام المبادرة وتتصدى لأعدائها في سلسلة من المواجهات الحاسمة في هضبة الجولان شمالا وفي صحراء سيناء جنوبا.
وقال أوزي زويبنر (69 عاما) الذي سارع لقتال القوات المصرية في بداية الحرب إذ كان قد حصل على تدريب مؤخرا على قيادة الدبابات قبل أن يصاب "كان هناك خوف مروع ولكن كان لدينا إيمان بأننا سنتغلب عليهم في النهاية.. كان علينا أن نفعل ذلك".
وتزامنا مع الذكرى الخمسين كان هناك عدد كبير من المقالات الافتتاحية في الصحف وأفلام وثائقية تلفزيونية وتحقيقات صحفية توجه انتقادات لرئيسة الوزراء آنذاك جولدا مائير وحكومتها لإخفاقهم في الاستعداد للحرب.
وشارك عدد من قادة إسرائيل في الحرب في شبابهم، ومنهم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك.
لكن مشاعر الوحدة تقلصت على نحو مطرد وسط استقطاب متزايد حيال الحراك الداخلي في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما تجلى هذا العام في المعركة المحتدمة حول خطط نتنياهو لتعديل النظام القضائي.
وقد كشفت هذه المسألة عن انقسامات عميقة بين مؤيدي نتنياهو من الدينيين والقوميين من جانب، والقطاعات الأكثر ليبرالية وعلمانية في المجتمع الإسرائيلي على الجانب الآخر، مما طرح أسئلة رئيسية حول الأسس الدستورية لإسرائيل وتوجهاتها المستقبلية.
وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع لأسابيع في احتجاجات على التعديلات القضائية، التي تقول الحكومة إنها ضرورية لكبح القضاة الليبراليين الذين يتدخلون في الشأن السياسي، لكن منتقدي التعديلات يعتبرونها اعتداء على الأسس الديمقراطية لدولة إسرائيل.
وفي خضم الاحتجاجات، أعلن عدد كبير من جنود الاحتياط أنهم سيمتنعون عن أداء الخدمة العسكرية، مما أثار مخاوف المؤسسة العسكرية من احتمال تعرض أمن البلاد للخطر.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي في خطاب ألقاه الشهر الماضي في ذكرى حرب 1973 "القدرة على إدارة الخلاف هي إحدى سمات المجتمع السليم، لكن الخلاف الذي يتبعه تعميق الاستقطاب والانقسام في المجتمع الإسرائيلي أمر خطير".
رغم أن الحرب نفسها أثارت شعورا فوريا بالوحدة الوطنية حينها، فإن قطاعا كبيرا من الإسرائيليين شعروا أيضا بصدمة عميقة لأن إسرائيل تُركت عرضة للخطر تقاتل من أجل بقائها بينما كانت الدبابات السورية والمصرية تتدفق إلى ساحة المعركة.
وبعد سنوات قليلة من حرب عام 1967 التي هزمت فيها القوات الإسرائيلية جيرانها العرب في أقل من أسبوع واستولت على الأراضي التي يسعى الفلسطينيون الآن إلى إقامة دولتهم عليها، أدت الخسائر في الأرواح وعدم الجاهزية لحرب عام 1973 إلى تبادل الاتهامات حتى يومنا هذا.
واشتبكت القوات الإسرائيلية، بمساعدة جسور جوية أمريكية من الإمدادات والعتاد، مع تشكيلات سورية ومصرية كانت تفوقها عددا ويدعمها الاتحاد السوفيتي، قبل أن يؤدي وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة إلى توقف القتال بعد نحو ثلاثة أسابيع.
وقُتل أكثر من 2600 إسرائيلي، من بينهم شقيق زويبنر، وهي أكبر خسارة في الأرواح تكبدتها إسرائيل على الإطلاق في حرب واحدة. وعلى الجانب الآخر، لا توجد أرقام دقيقة للقتلى المصريين والسوريين ولكن التقديرات تشير إلى سقوط 15 ألف مصري و3500 سوري.
وبعد خمس سنوات من الحرب، وقعت إسرائيل اتفاق سلام مع مصر، كان الأول لها مع دولة عربية، ثم مع الأردن في عام 1994. وفي عام 2020 طلعت العلاقات مع دولتين خليجيتين بموجب اتفاقيات إبراهيم.
وبالنسبة للعديد من الجنود الذين كانوا في الخطوط الأمامية، تظل الحرب حدثا صادما لكن بعد مرور خمسة عقود يشعر الكثير منهم بالفخر بسبب مساعدتهم في إنقاذ إسرائيل.
يقول زويبنر "لقد التقيت بأصدقائي هذا الأسبوع مما حرك مشاعري حقا، لكنك تشعر وكأنك أنقذت وجود إسرائيل".
ويقول زويبنر، الذي يعارض التعديلات القضائية، إن الدرس المستفاد من حرب 1973 هو أن على الناس أن يكونوا مستعدين للتفكير بأنفسهم بدلا من القبول الأعمى لما يقوله القادة مهما كانت رتبتهم.
وأضاف "أعتقد أنه أمر جيد في نهاية المطاف ألا يعتقد القادة أن كل ما يفعلونه يعتبر أمرا مفروغا منه وأنه مسموح لهم بفعل أي شيء".