جرفَ "طوفان الاقصى" كل ما عَداه من اهتمامات داخلية، فانعَدم الكلام عن الاستحقاق الرئاسي وملف النازحين السوريين، ليتصدّر الوضع في الجنوب حيث استفاق اللبنانيون على هجوم مدفعي وصاروخي شنّته المقاومة على ثلاثة مواقع اسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، وقصف اسرائيلي للمنطقة المحيطة، ما أثار توقعات بتوسّع الحرب الدائرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وغلافها الى الجبهة الجنوبية اللبنانية.
تتبّعَت كل الاوساط امس تطورات "طوفان الاقصى" الذي قضّ مضاجع اسرائيل وألحقَ بها هزيمة كبرى لم تشهد مثيلا لها في تاريخ النزاع العربي ـ الاسرائيلي، بسبب ما مُنيت به من خسائر بشرية ومادية ومعنوية، على رغم القصف التدميري الذي شنته على غزة معقل حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" اللتين تمكّن مقاتلوهما من اقتحام مواقع عسكرية ومستوطنات اسرائيلية محصّنة في غلاف غزة.
وفيما تسود توقعات بتوسّع رقعة الحرب الى خارج الاراضي الفلسطينية المحتلة في اتجاه لبنان وسوريا وغيرهما، خصوصاً بعد مهاجمة "المقاومة الاسلامية" التي يقودها "حزب الله" مواقع اسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المتحلة، ورد الجيش الاسرائيلي بقصف متقطّع طوال النهار على مناطق لبنانية خالية، نشطت الاتصالات على كل المستويات في مختلف الاتجاهات محليا واقليميا ودوليا لوقف القتال، على وقع تهديدات اسرائيلية متلاحقة.
وذكرت مصادر متابعة مطّلعة عن قرب على مجريات الوضع الجنوبي والميداني لـ"الجمهورية"، انه بعد قصف المقاومة لمواقع اسرائيلية في تلال كفرشوبا، جرت اتصالات دولية وعربية مع لبنان خلال اليومين الماضيين عبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمعرفة او فهم كيف سيتصرّف "حزب الله" حيال التطورات الميدانية والسياسية الجارية في غزة، وهل سيوسّع نطاق المعركة من غزة الى جنوب لبنان؟ لكن رَد الحزب كان انه من "المستحيل ابلاغ اي طرف محلي وخارجي عمّا يفكّر به الحزب وكيف سيتصرف في هذه المعركة المفتوحة مع الكيان الاسرائيلي". لكنّ الحزب يتابع لحظة بلحظة سير المعركة في غزة ونتائجها ومسارها المستقبلي.
وأوضحت المصادر انّ تقديرات "حزب الله" تشير الى انّ المعركة الجارية في فلسطين ستطول قليلاً، والى ان اسرائيل عاجزة عن أي فعل جوهري لتغيير المعادلة الجديدة التي حصلت بعد عملية "طوفان غزة"، لا في غزة ولا في لبنان، وما هي قادرة عليه فقط هو مزيد من الغارات والتدمير والقتل في غزة والضفة الغربية.
واضافت المصادر: "اما اذا فكّر الاسرائيلي بأي اجتياح بَرّي لغزة او اي عمل عسكري في لبنان، فهو سيأخذ بالاعتبار جداً وبشكل دقيق، اولاً انّ إمكانية تحقيق اي خرق ميداني على الارض في غزة هو امر صعب حسب المعطيات. وثانياً رد فعل الجبهة الداخلية المنهارة نتيجة انتشار جثث القتلى في المستوطنات والشوارع، وثالثاً واخيراً تَرقّبه لتحقيق مقولة "وحدة ساحات قوى محور المقاومة" الممتد من غزة الى لبنان وسوريا وربما الى دول اخرى.
واشارت المصادر الى ان قصف "حزب الله" امس للمواقع الاسرائيلية في تلال شبعا وكفرشوبا يؤكد مقولة وحدة الساحات، ما دفعَ اسرائيل الى الرد بقصف اماكن مفتوحة في التلال وخيمة المقاومة في محيط بلدة الغجر، والتي اعادت المقاومة بناءها خلال ساعات.
الى ذلك قالت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" ان قصف المقاومة لمواقع اسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا أربكَ الاسرائيليين ومَنعهم من الرد على اهداف محددة في المناطق اللبنانية المشمولة بالقرار 425 على طول خط الحدود من الناقورة وصولاً الى المزارع الخاضعة لخط قوات "الاندوف" العاملة في الجولان السوري المحتل.
وفي مقابل تطورات عملية "طوفان الأقصى"، ساد صمت حكومي عميق ولم يسجّل حتى مساء امس أي موقف لرئيس الحكومة وأيّ من المسؤولين الكبار تجاه ما يحدث وما يمكن أن يكون له من انعكاس على الساحة اللبنانية، في ظل تَرقّب ردة فعل "حزب الله" الذي سجّل صباح أمس الأحد اولى ردات فعله بعملية عسكرية محدودة استهدفت ثلاثة مواقع اسرائيلية في منطقة شبعا وتلال كفرشوبا، وبقيت تداعياتها محدودة جداً.
وقالت مصادر وزارية ان اي مشروع لعقد جلسة حكومية لم يناقش حتى اللحظة وان الاتصالات الجارية حيال ما يجري لم تتناول أي فكرة بهذا الشأن.