اتسعت حسابات بعض الجهات الداخلية لحملة استهداف مقذعة ضد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لمجرد مناداته من منطلق ديني وانساني ووطني بمعونة شمولية عبر "لم الصواني" والوقوف الى جانب أي لبناني ينزح من الجنوب، ولم تتسع حسابات جهات أخرى "مترفة" لكبريات الاستحقاقات الداهمة من مثل بت ملف الشغور الذي يخشى منه في قيادة الجيش والحاقها بقافلة المؤسسات الدستورية والعسكرية والمالية والأمنية التي تتساقط تباعا في مخطط الفراغ المتدحرج. على خلفية دعوة البطريرك الكنائس للتحفز لمساعدة أهالي الجنوب، تحول الحدث الداخلي امس من المواجهات الميدانية التي عادت الى الاحتدام في المناطق الحدودية كما صرف الأنظار عن جلسة مجلس الوزراء وملف الشغور العسكري، الى الهجوم العنيف المقذع على البطريرك الراعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث بلغ المنسوب الهابط الحاقد لهذه الحملة ومن يقف وراءها مستوى اتهام البطريرك بالعمالة لإسرائيل. استفزت الحملة ردودا عدة لعل ابرز اصواتها تمثل في ما جاء على لسان الزعيم الدرزي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقا وليد جنبلاط الذي استنكر "اي كلام تحريضي داخلي وخاصة تجاه البطريرك الراعي في هذه المرحلة الاستثنائية من الخطورة من تاريخ لبنان والمنطقة"، معتبرا ان وحدة الصف الداخلي فوق كل اعتبار".
يأتي ذلك فيما تشير المعلومات الى استياء بطريركي من الجمود على مستوى الملف الرئاسي، لاسيما أن ما من حركة جدّية وهادفة لإحداث خرق في جدار هذا الجمود.
وترى بكركي بحسب ما رشح عنها "أن الأحزاب المسيحية مطالبة بوضع هذا الموضوع في سلّم أولوياتها، فضلا عن الكتل غير المسيحية، لأن الملف هذا في ظل التحديات والأوضاع في المنطقة بات مسؤولية كبيرة لا بل وجودية وكيانية، في ضوء الاحتمالات المفتوحة عليها المنطقة ولبنان". وتؤكد بكركي، بحسب أوساطها، "أن الساكت عن هذا الوضع "شيطان أخرس"، وأن المطلوب الذهاب فوراً الى معادلة سياسية خارج منطق السلطة والاصطفاف العقيم القائم، تنتج رئيساً للجمهورية يعيد تكوين المؤسسات الدستورية والمالية والعسكرية ما يؤدي الى تفعيل حضور لبنان ودوره في المرحلة المصيرية المقبلة".
وفي السياق عينه، ذكرت المصادر كما ورد في صحيفة النهار أن "بكركي تعتبر أن تمدد الفراغ الى المواقع الأساسية، لاسيما منها المسيحية والمارونية ، يهدد النظام واستمرارية الدولة في ظل الإنهيارات المتتالية المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية، لتشمل أيضاً القطاعات المتبقية من سياسية وعسكرية. فهل هذا هو المطلوب؟ وإذا لم يكن كذلك، فماذا يعني هذا الصمت والجمود القاتل؟".
الى المربع الأول
اما في ملف التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، فلم يكن غريبا ان تفشل أخر المحاولات التي بذلت قبيل الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء امس بخلفية الدفع نحو تخريجة للتمديد وان تصطدم المحاولة مجددا بالجدار العوني المسدود، اذ يبدو ان اتساع التأييد أخيرا لخيار تأخير تسريح قائد الجيش لستة اشهر مع تعيين رئيس لاركان الجيش اثار الاستنفار العوني الى ذروته وخصوصا تجاه "حزب الله" خشية ان يمشي الثنائي الشيعي في هذا الخيار الامر الذي أعاد الامر الى النقطة العالقة دون أي حسم. وفي سياق نفيه لكلام نسب اليه في موضوع رفضه للتمديد للعماد جوزف عون، اكد بيان للرئيس السابق ميشال عون انه "في موضوع التمديد لأي موظّف وتحديدًا قادة الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية، فإن موقف الرئيس عون واضح ومعلن ولا لبس فيه وليس بجديد، فهو رافض كليًا لكل ما يشكل مخالفة للقوانين وللدستور الذي سبق وأقسم يمين المحافظة عليه عندما كان رئيسًا".
ونقلت مصادر سياسية لـ"النهار" عن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل تشديده على ان التمديد لجوزف عون لن يمر وانه، أي باسيل، اقترح على البطريرك الراعي ان كان هناك تحفظات على تعيين الضابط الأكبر رتبة لكونه ليس مارونيا، وهو اللواء بيار صعب، ان يعين قائدا للجيش مدير المخابرات الحالي العميد طوني قهوجي. كما ان المصادر نفسها لفتت الى ان موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال يتشدد في ان يصدر القرار عن مجلس الوزراء وليس عن مجلس النواب، وما دام وزير الدفاع رافضا للتمديد، فان الأمور داخل الحكومة لن تتبدل لمصلحة التمديد. ووسط هذه التعقيدات عقدت جلسة مجلس الوزراء في السرايا قبل الظهر وتأمن نصابها الا انها لم تشهد اي بحث في ملف التمديد لقائد الجيش في انتظار مزيد من المشاورات بين القوى السياسية، في حين تم اقرار التمديد لـ"ليبان بوست" وارجئ البحث في ملف"ستارلينك" ورفعت قيمة التعويضات العائلية في الضمان. ولفت في المداخلة التي القاها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في بداية الجلسة قوله "حاول البعض ادخال الحكومة مجددا في نقاشات ظاهرها دستوري وسياسي وباطنها تعطيلي استئثاري. لكننا عازمون على المضي في عملنا، مبتعدين عن السجالات العقيمة التي ملّها اللبنانيون، مؤكدين أن الحكومة تعمل وفق ما تراه مناسبا وليس وفق اجندات يحاول البعض فرضها على استحقاقات اساسية في هذه المرحلة المفصلية". وأضاف "في مطلق الاحوال، فإن اي قرار سنتخذه بالنسبة لاي استحقاق داهم سيكون منطلقه بالدرجة الاولى مصلحة الوطن واولوية تحصين المؤسسات في هذه المرحلة الدقيقة. وحتما لن تكون الحكومة ساحة يستخدمها من يريد تصفية حسابات شخصية ومنازعات فردية على حساب المصلحة العامة".
واوضح وزير الاعلام بالوكالة وزير التربية عباس الحلبي بعد الجلسة "إن التمديد للقيادات العسكرية بحاجة إلى مزيد من النقاش كي لا يكون الموضوع في إطار التحدي لأي طرف، والقيادة العسكرية يجب ألا تكون شاغرة ويجب أن تستمرّ مهمّة قائد الجيش".
ولاحقا، هاجمت عضو تكتل "لبنان القوي" النائب ندى بستاني الرئيس ميقاتي فقالت " كل مرّة يفاجئنا رئيس الحكومة المستقيلة بتجاوز الدستور وضرب الأسس التي قامت عليها وثيقة الوفاق الوطني. تمرير التمديد لقائد الجيش او تأجيل التسريح مخالفة قانونية واضحة وقرار ناتج عن حسابات شخصية ضيقة على حساب المصلحة الوطنية، والأخطر على حساب الاستقرار في المؤسسة العسكرية وكل ضابط مستحقّ. قلنا تكراراً ان الحلول القانونية موجودة، وانه لا مفرّ من احترام موقع وزير الدفاع الذي عبره حصرًا يمر أي قرار يتعلق بقيادة الجيش".