أغلب المؤشرات والرسائل والمعطيات المتوافرة في الساعات الماضية، تفيد ببقاء الأوضاع في لبنان والمنطقة، في إطار معارك وحروب مضبوطة ومنخفضة المستوى.
الطرفان المعنيان والمتواجهان بشكل أساسي، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وإيران، لا يريدان توسع واتساع هذه المعارك والحروب.
جانب من هذه المعطيات كشفها وتحدث عنها المستشار الشخصي للرئيس الأميركي آموس هوكشتاين، الذي قد يتوجه إلى بيروت قريبًا. وذلك في المقابلة التي أجراها برنامج Face the Nation حيث قال: "كنا في معركة منخفضة المستوى بين إسرائيل ولبنان، وكان الرئيس بايدن واضحًا في أننا نريد أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع تصعيد هذا الصراع من مستوى أدنى إلى صراع شامل، من شأنه أن يجرنا إلى مزيد من الحرب ويخاطر بحياة المدنيين من كلا الجانبين. وما نحاول القيام به هو تجنب ذلك".
هوكشتاين في المقابلة نفسها تحدث عن هدف بمستويين في لبنان "الأول، وقف الأعمال العدائية بين الطرفين في لبنان وإسرائيل".
وأضاف: "بمجرد أن نفعل ذلك، نحتاج إلى البدء في النظر في كيفية وضع علامات على الحدود، وهي حدود فعلية، بين البلدين حتى نتمكن من تحقيق أمن طويل الأمد وسلام طويل الأمد، في منطقة شهدت العديد من جولات الصراع على مدى السنوات القليلة الماضية".
One hour before the reports on the attack against US troops today morning , special advisor to the President Amos Hochstein said on Face The Nation: We should all be very concerned about a second front of the war … We are trying to avoid that .
— Hiba Nasr (@HibaNasr) January 28, 2024
pic.twitter.com/x6IYG6uopN
ما قاله هوكشتاين يعني المرحلة الأولى الجاري العمل عليها، هي وقف الأعمال العدائية ومن بعدها مرحلة ترسيم وتحديد الحدود البرية.
لم تمض ساعات على هذا الكلام، حتى أعلنت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بأنّ "الجيش الإسرائيلي قرّر تقليص قوّاته المتمركزة في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية".
وأوضحت أنّ "فرقًا أمنية محلية ستتولى عملية الإستجابة للحوادث الأمنية، في المناطق المتاخمة للحدود مع لبنان".
هذا التوجه، لم يقتصر على جبهة لبنان فقط، بل شمل تطورات الإقليم. حيث أعلنت كتائب حزب "الله" العراقية المسلحة إنّها ستعلق عملياتها العسكرية والأمنية ضد القوات الأميركية، بهدف منع أي إحراج للحكومة العراقية. وذلك، على خلفية تداعيات أول هجوم يكبد القوات الأميركية خسائر بشرية منذ اندلاع طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
كلام كتائب "حزب الله" العراقي جاء بعد تصاعد توتر الأجواء، إثر تعرض القاعدة الأميركية في التنف على الحدود الأردنية -العراقية، لهجوم عسكري بمسيرة أسفر عن إصابات وقتلى في صفوف الجيش الأميركي.
ما يمكن استنتاجه من هذه المعطيات، استنادًا إلى مقاربة هوكشتاين، أنّ الولايات المتحدة الأميركية وإيران استخدما نفوذهما مع أطراف موالية لهما، لتهدئة الأمور وضبط الأوضاع ومنعها من الوصول إلى الإنفجار الواسع، إيران مع حزب الله العراق، وأميركا مع الجيش الإسرائيلي، الذي خفف وقلص من أعداد جنوده باتجاه الحدود مع لبنان.
هذا على مستوى المشهد العسكري، القابل للتبدل وعدم الانتظام في حال قررت إسرائيل استخدام شطحة جنون ممكنة، بعيدًا عن الضوابط من الحليف، خصوصًا أن الإدارة الأميركية مقبلة على مرحلة انتخابات الرئاسة، والتي تطرح احتمالات وخيارات مجهولة ومتعددة.
لكن على مستوى المشهد السياسي، فإنّ الأطراف الرئيسية في لبنان بقيت على مواقفها، بالتوازي مع سفراء اللجنة الخماسية في بيروت في تحركهم الجدي الأول والذي تمثل بالاجتماع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، بعد جلسة تمهيدية في خيمة السفير السعودي في اليرزة.
المعلومات المتوافرة، أفادت بأنّ التوجه الأساسي لسفراء الدول الخمس، هو عبر موقف ورسالة محددة مفادها الإنطلاق للبحث في المواصفات، وليس في الأسماء والظهور بمظهر الاتفاق الموحد.
في المقابل، فإنّ ثنائي "حركة أمل" و"حزب الله"، مستمر بالتمسك بسليمان فرنجية، وسط ظهور وتشكل بداية هجوم سياسي إعلامي على قائد الجيش الممدة ولايته، بعد أن سرت معلومات عن ميل لدعمه للترشح من قبل الولايات المتحدة والعربية السعودية وقطر، والذي كان اعتبره ديفيد هيل رجل المرحلة.
يعني هذا الكلام في حدوده الراهنة، أنّ الخماسية لا تريد البحث في الأسماء علنًا، فيما يستمر "الثنائي الوطني" المسيطر والمتحكم والمعطل بالورقة البيضاء وفرط نصاب جلسات الانتخاب، بالتمسك بمرشحه رئيس "تيار المردة"، في مواجهة الآخرين والاحتمالات المطروحة، من جهاد أزعور وصولاً إلى جوزيف عون أو غيره إذا ما أُعلن عنه.
الإستنتاج الثاني، أنّ المواجهة المضبوطة والمعارك المنخفضة المستوى، في المنطقة في أكثر من موقع، باستثناء غزة الشهيدة المتروكة لوحدها ولمصيرها.. ستجهد الأطراف المعنية لاستمرارها تحت السيطرة وصولاً إلى لبنان، الذي قد يطول انتظاره وفراغه الرئاسي ومصيبته، حتى نضوج التسويات والمحادثات الجاري طبخها وإنضاجها في أكثر من مكان في المنطقة والعالم، انطلاقًا من عُمان مروراً بالدوحة والقاهرة وصولاً إلى باريس.
وكما يقول المثل العامي، " نطور يا كديش"...!