أجرت "اندبندنت عربية" مقابلة خاصة مع رئيس "التيار الوطني الحر"، أخذ فيها على الحزب عدم التزامه كثيراً من بنود التفاهم، وخصوصاً لناحية "بناء الدولة" على الصعيد الداخلي، وكذلك عدم التزام إقرار استراتيجية دفاعية وطنية تجعل سلاح "حزب الله" تحت الغطاء الشرعي للدولة اللبنانية.
وانتقد الدور الإقليمي لسلاح "حزب الله" الذي وصل إلى اليمن من خلال دعمه الحوثيين، وتهديد أمن السعودية ودول الخليج، وقال "تفهمنا تبريرات مشاركة الحزب في سوريا قرب الحدود اللبنانية - السورية لحماية البلاد من خطر الإرهاب وتنظيم (داعش)، ولكن هذا لا يعني أن نكون مع الوصول إلى اليمن والتدخل في شؤون دول الخليج".
العلاقات العربية
شدد باسيل على أهمية أن يستعيد لبنان أفضل العلاقات مع الدول العربية، ولا سيما دول الخليج "التي كثيراً ما دعمتنا"، مبدياً تأييده للمقاربة الخليجية تجاه لبنان، وخصوصاً تجاه دعم اللبنانيين بمحاولة انتخاب رئيس للجمهورية لديه برنامج إصلاحي وإنقاذي وغير متورط بفساد مالي وسياسي. وأضاف "السعودية تدعم مواصفات رئيس إصلاحي من دون أن يكون هناك تدخل أو فرض أسماء". وأكد ضرورة الانفتاح على العالم العربي، ومراجعة الأخطاء السابقة تجاه الدول العربية، وقال "نحن نطمح في علاقات مميزة ومتطورة مع السعودية وكل دول الخليج"، لا سيما أن شريحة واسعة من اللبنانيين تعيش هناك، ومشدداً على أهمية عودة الاستثمارات الخليجية إلى لبنان الأمر الذي يسهم في إعادة نهضة الاقتصاد اللبناني.
أضاف باسيل "مصلحتنا في الديمقراطية والتطور العمراني والاقتصادي، وهذا أمر يستفيد منه اللبنانيون في الخليج، كما في لبنان، هناك نوايا جيدة تجاه السعودية ونأمل في أن تترجم ببناء علاقة صداقة فعلية"، مشيداً بالنهضة الضخمة التي تشهدها السعودية على مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والحضور السياسي الإقليمي والدولي الذي عززته "رؤية 2030" لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأوضح باسيل أن "التيار" قدم مواقف سياسية "واجب عليه أن يقدمها بمواجهة إسرائيل ولم يغط أبداً تقاعس (حزب الله) عن بناء الدولة"، وقال "أحياناً ينظر إلينا على أننا ضد دول الخليج كوننا نتخذ مواقف تعد منحازة للحزب في حين كنا نطبق سياسة الحكومة مجتمعة، والتي تعتمد على الحياد"، كاشفاً عن أنه لم يصدر من وزارة الخارجية في عهده أي موقف لدعم الحوثيين، ولم نغط أبداً التعدي على دول عربية أو التدخل في شؤونها الداخلية.
ترشيح جهاد أزعور
في ملف رئاسة الجمهورية اللبنانية أكد باسيل أن "التيار" لا يزال على موقفه من "التقاطع" مع المعارضة على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، موضحاً أن الأخير شخصية مناسبة تجمع المواصفات المطلوبة لمنصب رئاسة الجمهورية، ولا سيما تلك التي وضعتها "اللجنة الخماسية"، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد أي شخصية أخرى تتمتع بتلك المواصفات، لافتاً إلى ضرورة الاتفاق على شخصية تحظى بالدعم الكافي المحلي والعربي لتتمكن من النهوض بالدولة بعد الانهيار وحماية لبنان.
حماية لبنان
في المقابل، أكد باسيل أن موقف "التيار" هو نفسه بالنسبة للعلاقة مع "حزب الله"، منذ الإعلان عن "وثيقة التفاهم"، عام 2006، تحت عنوان "حماية لبنان" من خلال استراتيجية دفاعية يتفق عليها اللبنانيون، كان الهدف منها في حينه واضحاً، وقال "اليوم، على رغم رفضنا وحدة الساحات وربط لبنان بغزة، فإنه في حال اعتدت إسرائيل علينا، سنقف طبعاً إلى جانب (حزب الله) بالدفاع عن لبنان". وأضاف "وثيقة التفاهم تطرقت إلى الدفاع عن لبنان، لكنها لم تتناول تحرير فلسطين التي هي أصلاً مهمة الفلسطينيين على أرضهم، وليس انطلاقاً من أرضنا، ونحن يمكننا أن نساند هذه القضية سياسياً وإعلامياً، لكن تحرير فلسطين ليس من مسؤوليتنا".
أضاف باسيل أن "حزب الله" متمسك بموقفه الرافض وقف إطلاق النار في لبنان ما لم يتم وقف إطلاق النار في غزة، وقال إن أحد أهداف التفاهم أيضاً هو الحفاظ على وحدة لبنان، معتبراً أنه على رغم التباينات والاختلافات أحياناً، فإن التفاهم بين اللبنانيين يجب ألا يموت. ولفت إلى أن "التيار" يقف مع "حزب الله" في الدفاع عن لبنان، لكنه لا يفعل ذلك في شن الحروب من أجل الآخرين "فلبنان تفككت مؤسساته، وانهار اقتصاده، وهو لا يملك مقومات المبادرة بخوض الحرب ضد إسرائيل، لذلك عندما يصبح هدف (حزب الله) تحرير القدس لا يمكننا أن نؤيده، فاتفاق مار مخايل نص على حماية لبنان فقط وحماية الوحدة الوطنية التي تمر باحترام الشراكة المتناصفة والمتوازنة بين مكونات الوطن".
الحرب مع إسرائيل
ورأى رئيس "التيار" أن هناك أزمة كبيرة تهدد وجود لبنان، إذ تتزامن الأزمات الداخلية الاقتصادية مع أخطار وجود النازحين السوريين وانحلال الدولة، والأخطر من هذا كله هي الحرب التي تستعر على حدود لبنان بين "حزب الله" وإسرائيل، والتي باتت أخطار توسعها على جميع الأراضي اللبنانية مقلقة.
وفي رأيه فإن الحزب يتجنب الانزلاق إلى حرب شاملة ويسعى إلى إبقائها ضمن الضوابط المقبولة، وكذلك تحاول الولايات المتحدة احتواء الموقف نظراً إلى خطورة تداعياتها على المنطقة، معتبراً أن تفادي أخطار توسيع الحرب هي في الملعب الإسرائيلي الذي يسعى إلى تحقيق انتصارات في ظل المأزق الذي يواجه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
واعتبر باسيل أنه "لا بديل حالياً عن القرار الدولي رقم 1701 الذي يقتضي تنفيذه كاملاً خصوصاً من جانب إسرائيل وليس من الجانب اللبناني فحسب"، مشيراً إلى آلاف الانتهاكات التي قامت بها تل أبيب طوال السنوات الماضية.
وجود لبنان مهدد
وقال باسيل إن "وجود لبنان مهدد لأن الشراكة مهددة"، معتبراً أن رئيسي حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والمجلس النيابي نبيه بري، "يختصران الدستور ويتصرفان وكأنه لا دور لرئيس الجمهورية"، كاشفاً عن أنه سيعلن قريباً عن خطوات لمواجهة هذا الخطر. وأضاف "أما الآخرون فجميعهم متفرجون، لكننا نواجه، وهم يريدون أن ننسى أن هناك مساً بالدستور والميثاق من خلال محاولة تصوير الأمر كأنه صراع على الحصص"، وفي رأيه الشراكة الوطنية التي قام عليها لبنان تتعرض لتدمير ممنهج للميثاق والدستور، من خلال استغلال الفراغ القاتل في رئاسة الجمهورية وتجاوز الحكومة المستقيلة والقائمين عليها كل الخطوط الحمراء في حدود صلاحياتها والهيمنة على صلاحيات الرئيس، "ولا سيما من خلال ما حصل كتعيين موظف فئة أولى بغياب رئيس جمهورية ومن دون اقتراح من الوزير أو توقيع منه على المرسوم". وأكد أن "التيار" و"تكتل لبنان القوي" (نواب التيار في البرلمان) سيقومان بكل تحرك ممكن على المستوى الإعلامي والسياسي والشعبي والقضائي لوقف هكذا قرارات والطعن بها أمام مجلس شورى الدولة والتقدم من مجلس النواب بعريضة اتهامية في حق رئيس الحكومة صاحب اقتراح التعيين.
"المنظومة" العميقة
وردد باسيل باستمرار مواقف ينتقد فيها "المنظومة الحاكمة"، فسألناه "إن كان الجميع يقول إنه خارج المنظومة، فمن داخلها؟"، ليرد قائلاً إن "المنظومة هي عبارة عن لوبي أمني واقتصادي وسياسي تحكم مسار الأمور ومصالح بعض القوى السياسية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمات في البلاد واستعصاء الإصلاح، وهي تعرقل استقامة العمل المؤسساتي والدستوري".
وعما إذا كان هو جزء من تلك "المنظومة" طالما كان شريكاً أساسياً في الحكومات المتعاقبة ونظام المحاصصة السائد في البلاد إضافة إلى تولي الرئيس السابق ميشال عون رئاسة الجمهورية، اعتبر أن جميع القوى السياسية في البلاد وضمنها أيضاً القوى المعارضة تقاطعت مع "المنظومة" حول بعض المصالح وغطت عملها أحياناً، موضحاً أن "ذلك لا يعني أننا كتيار وطني حر جزء منها، والأمر نفسه ينطبق على قوى أخرى كانت أيضاً شريكة في الحكومات مثل القوات اللبنانية والكتائب وآخرين".