لا تزال أنظار اللبنانيين مشدودة إلى القصر الجمهوري، حيث اللقاءات المتتابعة بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، بانتظار ما سيرسو عليه مشهد تأليف الحكومة الجديدة، فإن هذا الاستحقاق المفصلي، على أهميته الساحقة، هو في حسابات الرجل السبعيني «أبو فراس» دون مستوى الاستحقاقات المخيفة التي تسحق اللبنانيين في أسوأ ما عاينوه وشهدوه في تاريخهم، وفق قوله لـ«البيان».
وفيما كل العالم بات مجمعاً على أن هذا البلد صار دولة مهترئة ومنكوبة، يستجمع «أبو فراس» عناوين الأزمات الخانقة التي أطبقت على اللبنانيين أخيراً، للاستدلال على ما ستواجهه أي حكومة آتية، جرّاء «تركة مرعبة ومتراكمة» من الأزمات التي تحوّلت إلى كابوس جاثم على يوميات اللبنانيين في «دولة منكوبة بعصابات أسوأ من زمن الميليشيات، تستبيحها في كل مفاصلها، ولكل عصابة اختصاصها ومجالها»، ليخلص إلى حقيقة واحدة مفادها أن لبنان تحوّل إلى «دولة مطفية (مطفأة) تحكمها العتمة، وكل شيء فيها أسود كطابور انتظار أمام محطة محروقات».
عصابة البنزين وإذلال الناس في الطوابير، عصابة المازوت وإلباس البلد سواد العتمة، عصابة الغاز المنزلي المرشّح لأن يصبح نادراً، عصابة المواد الغذائية والدعم المسروق والمُباع في متاجر اللصوص، عصابة التهريب وبيْع بلد وشعب لقاء حفنة من الدولارات، عصابة الدولار والاحتكار ورفع الأسعار، عصابة الدواء وإخفائه ومنعه عن محتاجيه من المرضى في أفظع جريمة ضد الإنسانية، أما أخطر هذه «العصابات»، في حسابات «أبو فراس»، فهي «عصابة التراخي والتخاذل في ردْع كل هؤلاء، والزجّ بهم في السجون».
فصول الوجع
هكذا، وفي وطن «يحتضر»، حيث باتت الحاجة الماسة إلى حكمة لتوفير حكومة، وإلى المسؤولية ومشتقاتها لتأمين النفط ومشتقاته، فإن هناك إجماعاً على أن الوجع يطال جميع اللبنانيين، بدءاً من العتمة العابرة للكانتونات السياسية والمتاريس الطائفية، ومروراً بالمستشفيات التي «تختنق»، والدواء المفقود إلا من مستودعات المحتكرين الذين لا دواء يشفي غلّ صدورهم، وصولاً إلى الخبز «المقنن والمغمس بالمازوت والبنزين، ولا أحد يلتفت إلى قوت الفقراء والمساكين»، وفق تعبير السيدة الخمسينية «أم ربيع»، والتي لا تتردّد في الغمْز من قناة «المنابر والسِجالات ونِزال الحصانات»، فيما «لا حصانة للقمة الفقير، ولا للحد الأدنى من عيْشه الكريم»، لتخلص إلى القول لـ«البيان»: «لا حول ولا طاقة في بلد أصبح محاصراً بكل أشكال الموت».
وهكذا أيضاً، لم يأت كلام «أبو فراس» و«أم ربيع» من العدم، بل اقتضاه فعْل أعراض التحلل المتسارع لكل مقوّمات الدولة، وقد تجاوزت مؤشراتها الحيوية كل الخطوط الحمر. ففي المستشفيات، يتم جمع المرضى في طبقات محددة لتوفير مادة المازوت، في ظل أزمة تهدد القطاع الصحي وتلحق بها الأفران والمخابز، فيما البلد يعيش على «موتور موصول بجهاز تنفس بلا أوكسجين»، يقول آخر، «أما غياب الرقابة واستقالة الوزارات المعنية عن القيام بدورها، فجعلت من تجار الأزمات ملوكاً على عرش لقمة عيش المواطن وصحته وحقه في الحصول على التيار الكهربائي. فالبنزين متوافر في السوق السوداء، والمازوت مخزن في عنابره بانتظار بيعه في أنابيب الصرف، ومافيا المولدات ترفض تركيب العدادات وتأخذ المواطن رهينة العتمة الشاملة وتزيد صفراً تلو صفر على تسعيراتها».
وفي المحصلة، وعلى عيْن ما تبقى من دولة في بلد التقلبات، وعلى مرأى ومسمع العالم، أصبح اللبناني يصارع الحياة من دون غذاء ولا دواء ولا كهرباء ولا استشفاء ولا مال ولا وقود، فيما وحدها العتمة تتقدم، ولا تقدّم لـ«كيلو واط» واحد على أي مسار من المسارات التي من الممكن أن يتفاءل بها اللبناني، ولو بضوء شمعة!
البيان الإماراتية