داعش

كان ليل موسكو في منطقة "كروكوس ستي هول" في ضواحي العاصمة في احد المسارح بتاريخ 22 اذار/ مارس الحالي الذي كان على موعد مع مجزرة بشعة نفذتها يد الارهاب بحق زوار المسرح حيث ذهب ضحيتها اكثر من 150 قتيل و120 جريح . يوم مربك ذكّر أهل المدينة بمراحل الحرب الشيشانية الروسية التي كانت المدينة مسرح لعمليات إرهابية مختلفة، ضج الأهالي العُزل كان آخرها في 23 تشرين الأول/ أكتوبر في مسرح" دوبروفك" الذي كان يستعد لإحياء حفل غنائي قبل 22 عاما انتهت العملية وقتها بموت العديد من الرهائن على يد القوة الامنية الروسية ولم تستطع القوى الارهابية المهاجمة من تنفيذ خطتها باحتجاز رهائن أبرياء وصل عددهم الى 900 رهينة من الجمهور والفنانين .

ما بين البارحة والأمس التاريخ يكرر نفسه من خلال استخدام الارهاب للمدنيين من اجل تنفيذ مشاريعه وتسديد حساباتهم وحيث يصبح المواطن العادي رهينة لهذه المخططات البشعة. لكن ما بين دوبروفك الذي اعلن فيه الارهابيين مطالبهم التي اعطت فرصة للدولة الروسية ثلاثة أيام لتنفيذ انسحابها من الشيشان وما بين عملية مسرح كروكوس الذي لم يظهر المهاجمين مطالبهم بل كانت مهمتهم واضحة بقتل الزوار بحرق المسرح بقنابل المولوتوف .

الإخفاق الروسي يثير الخوف في موسكو

لكن طوال هذه الفترة الممتدة ما بين عمليات " دوبروفك" وعملية مسرح "كروكوس" كانت هناك عمليات واضحة ضد الدولة الروسية ومصالحها من قبل تنظيم داعش الذي بات يعتبر المواجهة من الغرب ومن بينها روسيا أولوية لحربه ضد أعداء الإسلام . فكانت أبرز هذه العمليات التي تعرضت لها روسيا مقتل سفيرها في انقرة "اندرية كارلوف" بالرصاص في 19 أيلول/ سبتمبر عام 2016، ومهاجمة السفارة الروسية في كابول في أيلول/ سبتمبر عام 2022 ، وهناك العديد من العمليات في القوقاز وسوريا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية .

بالطبع هناك دوافع قوية تبررها داعش في مواجهة روسيا أولها تدخلها في الحرب السورية في العام 2015 وتلقيها ضربات موجعة من قبل روسيا اضعفت وجودها في سوريا كما حال العراق التي كانت تحارب فيه ضد التحالف الغربي .

داعش تعتبر روسيا من بين الدول الغربية التي تضطهد المسلمين وتشارك في قتلهم وخاصة بانه يوجد حوالي اكثر من 7000 مقاتل في سورية والعراق من ذات الأصول الإسلامية المتحدرين من الاتحاد الروسي , ودول آسيا الوسطى والقوقاز ولهم ملاحظات كثيرة على روسيا في تعاملها معهم كإسلاميين .

النقطة المهمة إن داعش فرع "خراسان" وهي الأكثر دموية في التنظيم كانت على صراع مباشر مع حركة طالبان في أفغانستان وبمواجهة علنية وتعتبر روسيا صديقة في تحالفها مع عدوتها طالبان .

خراسان الارهابي يجدد قدراته

خراسان الفرع الجديد الذي أعاد تنظيم قدراته في مناطق أفغانستان والقوقاز وآسيا الوسطى وروسيا , هذا الفرع بدأ تنظيم وجوده من خلال مجموعات جديدة تلقت تدريبات متطورة قاتلت ضد الروس في سوريا وافغانستان استطاع التنظيم من تجديد قدراته والمواجهة مجددا انطلاقا من أفغانستان والمنطقة المجاورة حيث نفذ عمليات ضد الولايات المتحدة وباكستان وروسيا وطالبان .

بالطبع التنظيم تعرض لضربات موجعة على يد طالبان والولايات المتحدة منذ العام 2018 حتى العام 2021. حين خروج الولايات المتحدة من أفغانستان حيث تمكن التنظيم المتجدد في فروعه الآسيوية والأفريقية من تنظيم نشاطه وانتخاب قادة شورى جديدة لأول مرة من خارج أفغانستان والباكستان .

وبالرغم من التحذيرات الأميركية جاءت من قائد القوات الأميركية في المنطقة الوسطى الذي اشار الى ان الإرهاب يحاول تنفيذ عملية ضد المصالح الغربية والأميركية في المنطقة وستكون المواقع العامة أهدافًا للإرهاب المتوقع وبالتالي روسيا من ضمن هذه الأهداف .

وفي السابع من آذار/ مارس الماضي أعلنت السفارة الأميركية عبر قناته الدبلوماسية ( السفارة في موسكو ) تحذير من عملية إرهابية قد تتعرض لها موسكو فعلى المواطنين توخي الحذر والانتباه .

القطيعة الأمنية الروسية الأميركية

لماذا نشرت السفارة الأميركية هذا التحذير من على موقعها الالكتروني محاولة تحذير مواطنيها وتم تبنيه كل السفارات الغربية بينما روسيا لم تأخذ هذا التحذير بعين الاعتبار وخاصة بان العلاقة الروسية الأميركية مقطوعة ولا يوجد خط للاتصال الروسي الأميركي كونه مقطوع حيث تذكر وكالة سبوتنيك الروسية بأن الخط الساخن بين موسكو وواشنطن مقطوع منذ دخول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن المسشفى .

روسيا لا تتجاوب مع الرسائل الأميركية كما كان الحال في السابق عندما كانت روسيا تتلقى معلومات امنية واستخباراتية من الولايات المتحدة لذلك تحاول روسيا ان تلقي اللوم على الولايات المتحدة بظل عدم تجاوب موسكو مع الدعوات المتكررة لها واقفال الخط الساخن بينهما فاليوم تحاول ان تلقي اللوم على الولايات المتحدة بانها لم تحذرها ولا تشير الى اقفال خطوط التواصل بينهما بسبب شدة الخلافات لجهة العديد من النقاط التي تبلورت مؤخرًا لدى الطرفين.

بالرغم من إعتراف تنظيم داعش فرع "خراسان" بتنفيذ العملية في موسكو وبث أكثر من فيديو يفصل فيها العملية الإرهابية خلال التنفيذ والإعداد ومهمة الاشخاص. لكن وسائل الإعلام الروسية ترى بان التفاصيل البصرية للبيان تُظهر عكس ذلك مقارنة بعملية داعش التي نفذها التنظيم في تركيا لجهة الكتابة والحروف والتبني والوشم والوكالة. بالوقت الذي يُعرف عن الروس تاريخهم في تعاملهم مع الحركات الإسلامية بأنها واحدة ولا يستطيعون التمييز بين المصطلحات والأفكار والأدوار والأداء نتيجة الجهل الفعلي للأخصائيين في دراسة الحركات الإسلامية المتنوعة والخلط ما بين المعتدلة والمتطرفة، والتي نشاهده دائما أثناء المتابعة للأدبيات الروسية في الكتب والمقالات والأبحاث نتيجة عدم القدرة على التمييز .

الربط الروسي بين العملية واصابع كييف

ومن هنا نرى بأن روسيا كانت تسعى بكل الوسائل لربط العملية باوكرانيا وهذا ما اخر الرئيس فلاديمير بوتين الى اليوم من اجل إطلاق تصريحه الذي يهدد بمحاسبة الأطراف والجهات المتطرفة بعملية عسكرية بالوقت الذي كانت صواريخه تنفجر في 8 محافظات أوكرانية وقد استباح فيها قتل المدنيين الأبرياء والتدمير الممنهج للبنية التحتية للدولة الأوكرانية. لقد أطلق 150 صاروخ تفجروا في المدن مدمرة البيوت والأبنية والأحواض المائية والطرقات والجسور والمحطات الكهربية . معبرا في عمليته هذه بان سوف يخوض معركة حاسمة ضد الغرب وضد أوكرانيا متسلحًا بفوزه. لا أحد يعرف مدى مصداقيته الحقيقية بحيث يشك بالأرقام محاولا القول بان فوزه هو استفتاء شعبي على تنفيذ سياسة التدمير والقتل .

أهداف بوتين واستغلال العملية ضد كييف

لكن المفاجأة بان العملية التي نفذت في موسكو لم تكن أوكرانيا قادرة على لملمة جراحها . بل هو اصر في تصريحه بتاريخ 23 آذار على ربطها بأصابع اوكرانية وبان منفذي الهجوم تم ملاحقتهم الى مدينة بريانسك الروسية الحدودية مع أوكرانيا التي كانت تفتح لهم طريقا للدخول الى أراضيها . وبالرغم من إعلان داعش بان منفذي العملية استطاعوا النجاح لكنهم أخلوا المكان وأعلنت السلطات الروسية عن تنفيذ حملة اعتقالات لمشتبه بهم، وتم تسجيل اعترافاتهم بطريقة سريعة مما جعل الشك الفعلي بهذه المجموعة التي تم اعتقالها لتفتح لنا التساؤلات الكثيرة كيف وصل المنفذون بسلاحهم الى المسرح، من دربهم من اتى بهم الى المكان وكيف أخفقت الشرطة الروسية بالكشف عن هذه العملية وأين المخابرات الروسية التي لم تأخذ بعين الاعتبار التحذيرات الأميركية على محمل الجد .

ثانيا إذا كانت روسيا تدّعي بان أوكرانيا من جهزت ونفذت هذه العملية بالوقت التي شاهدنا عمليات أوكرانية في روسيا لها طبيعة مختلفة وتتبناها أوكرانيا ، يعني بان أوكرانيا لها اليد الطولى في اختراق الجسم الروسي المهترئ ويمكنها الوصول للعمل بما تريده بغياب روسي واضح .

طبعًا أوكرانيا رفضت الهلوسات الروسية الانتقامية وأعلنت بان بوتين يريد تبرير أعماله العدائية ضد اوكرانيا بايجاد خيط رفيع دون معلومات او مصدر من اجل شن الهجمة على اوكرانيا .

أوكرانيا لن تذهب بهذه الخطوة مهما كانت مفيدة كي تقوم بقتل الابرياء لان ذلك لن يساعد القضية الأوكرانية ولا عالميا من قبل الدول التي تدعمها لمواجهة روسيا، ولا من الشعب الروسي سيرحب بهذا العمل بمقتل الأبرياء ويعطي ورقة بيضاء لنظام بوتين لممارسة عدوانية بشعة ضد أوكرانيا يقوم بها النظام و يعززها اكثر فأكثر.

ان عملية الربط التي تقوم بها روسيا هي نوع من التكلم مع الغرب بان هذا النظام النازي هو يمكن ان يفعل اي شيئ ولا يأتمر بأوامر التحالف الغربي ضد الارهاب الذي يعرض بلادكم للاعتداءات وروسيا جزء من هذا الحلف الذي حارب الارهاب والارهاب يدق أبوابه .

لماذا تغيب موسكو عن العملية

ان خلط الأوراق لم يساعد روسيا، لان التصميم ربط الهجوم الإرهابي بأوكرانيا لأن أصابع الاتهام التي يحاول بوتين تبريرها بالتوجه نحو أوكرانيا لن تُقنع الغرب لجهة تقاعس روسيا في مخابراتها وشرطتها التي تعيد الايام الى الماضي من تولي نظام بوتين السلطة حيث كانت المخابرات شريكة في مساعدة تنفيذ عملية ارهابية ضد روسيا تعطي بوتين اوراق للترويج الدعائي والتسويق لأفكاره الذي يحاول الغرب تنفيذها ضد روسيا .

إذن لا بد من القول أن استغلال هجمة بوتين من خلال الترويجيين والبراغماتيين التابعين للنظام لربط العملية بأوكرانيا من اجل الوصول لدفع الناس لتأييد خططه ومشاريعه القاضية بتجهيز حملة تعبئة عسكرية تطلبها الجهة العسكرية لتنفيذ مهمة قضم سريعة ليستطيع القول بأنه يريد درء الأخطار عن الشعب الروسي ويؤدب نظام كييف في ممارسة أعمال إجرامية . وهي رسالة للغرب بان يدفعهم للموافقة على شروطه التي يعطيها الشعب قوة في تنفيذ الأعمال التي تحمي روسيا وشعبها فهل ينجح بوتين مرة جديدة في التلاعب على المشاعر الروسية واخذها نحو الهاوية مستغلا الأعمال الدموية البشعة ضد الأبرياء.

من هنا نرى بوتين يتعمد عدم التوجه بالإدانة نحو داعش واتهامها بشن حرب على روسيا ومصالحها وكيف سيكون العقاب الذي يفترض ان يقوم به بوتين لحماية دولته ومصالحه بوجه الهجمات الإرهابية التي تتطلب منه بالدرجة الأول الوصول للحقائق والمعلومات والعودة للتنسيق الأمني الإجباري مع الغرب. ولكن لابد من طرح السؤال الأساسي من يدعم تنظيم خراسان ومن يوظف أعماله الدموية لمصالحه الخاصة .


يقرأون الآن