لقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان مصرعهما إثر تحطم المروحية التي كانت تقلهما في شمال غرب إيران، أمس الأحد 19مايو/أيار. وواجه رجال الإنقاذ صعوبات في الوصول إلى مكان حادث تحطم الطائرة، وهي مروحية أمريكية من طراز بيل 212، وكان يطلق عليها في سبعينات القرن الماضي اسم «دبور الجحيم».
ولا يعتبر هذا هو الحادث الوحيد المتعلق بالمروحيات هذا العام، إذ تحطمت أربع مروحيات في 45 يوماً بين شهري فبراير ومارس، مما أسفر عن مقتل طيارين وإصابة أربعة آخرين بدرجات متفاوتة، وفقاً لما ذكرت مجلة «ميلاتري ووتش ماغازين».
ووقعت حوادث «أباتشي»، في 12 و23 شباط/فبراير، ثم في 24 آذار/مارس، وتحطمت مروحية أخرى أثناء تدريب روتيني في قاعدة لويس ماكورد المشتركة في واشنطن. وفي 26 مارس، تحطمت مروحية «أباتشي» أخرى خلال رحلة تدريبية في فورت كارسون بولاية كولورادو.
وفي 23 إبريل/نيسان الماضي، اصطدمت طائرة من طراز "أغستاوستلاند إيه أو 139" بطائرة من طراز "يوروكوبتر فنك" فوق بلدة لوموت في ماليزيا خلال تدريب لعرض عسكري احتفالاً بالذكرى التسعين للبحرية الملكية الماليزية، مما أسفر عن مقتل جميع أفراد الطاقم العشرة في الطائرتين.
عام بثمانية أعوام
ومنذ عام 2000، وقعت مئات الحوادث المسجلة (المعلن عنها إعلامياً) للمروحيات، هذا النوع من الحوادث منتشر حتى في الطائرات العسكرية، فمثلاً أمرت إدارة الجيش الأمريكي في إبريل الماضي بمجموعة إضافية من التدريبات في جميع أنحاء القوات الجوية بعد وقوع عشرات الحوادث خلال عامي 2023.
ويصنف الكثير من تلك الحوادث من الفئة "إيه"، التي تعرف بأنها حوادث تؤدي إلى خسائر في الأرواح أو خسارة معدات يبلغ مجموع ثمنها أكثر من 2.5 مليون دولار.
هذا الكم غير العادي من الحوادث يدفع للتساؤل عن السبب في أن هذا النوع من وسائل النقل الطائرة، حتى في فئاته العسكرية، أكثر عرضة للحوادث مقارنة بغيره، ولماذا تظل هذه الوسيلة محببة للمسؤولين ومرغوبة بشكل كبير عن غيرها.
لماذا تسقط المروحيات؟
يعود أهم أسباب سقوط المروحيات إلى تركيبتها المعقدة، واحتوائها على أعداد لا نهائية من الأنظمة والأجزاء المتحركة التي تؤدي في حالة حدوث أي فشل بسيط إلى تحطيم بعضها بعضاً حسب الظروف وأوضاع الحادث.
وتتكون المروحيات من بعض الأجزاء المهمة مثل الدوار الرئيسي والدوار الخلفي وناقل الحركة وغيرها من الوصلات الميكانيكية بين جوانب الطائرة، يتطلب كلٌّ منها هندسة وصيانة ومزامنة دقيقة لضمان التشغيل الآمن والفعال، ويزيد هذا التعقيد من احتمال حدوث أعطال ميكانيكية، وذلك بالإضافة إلى الشفرات الدوارة «المراوح» التي تولد قوة الرفع والدفع، وترتبط هذه الشفرات بعمود مركزي متصل بالمحرك ونظام ناقل الحركة، هذا التركيب يتطلب أنظمة تحكم متطورة للحفاظ على الاستقرار أثناء التحليق والهبوط.
ويرى الخبراء أن خطورة هذه الأجزاء تكمن في تعاظم الفشل بعد الفشل، حيث ينتج عن أي خلل بسيط في المروحية فشل ثان أكبر سببه الفشل الأول، وتستمر هذه الحلقة من الإخفاقات لدرجة يمكن أن تمنع المروحية من الحفاظ على استقرارها وتوازنها في الجو.
الطقس السيئ كابوس المروحيات
الطقس السيئ يعتبر كابوس طائرات الهليكوبتر وأعظم مخاوفها، حيث أثبت تحليل لحوادث المروحيات المدنية والعسكرية أن قرابة 79% من حوادث هذا النوع من الطائرات كانت ذات علاقة تحديداً بحالات الارتفاع عن الأرض أو الهبوط، وخاصة في الظروف المناخية القاسية، بل إن قرابة 40% من حوادث المروحيات المدنية والعسكرية كانت بسبب له علاقة بالطقس.
تعتمد المروحيات على الشفرات الدوارة للرفع والصعود والهبوط وضبط ميل الطائرة، مما يجعلها بطبيعتها أكثر عرضة لاضطرابات الرياح وهبوبها، لأن أي تغير مفاجئ في اتجاه الرياح أو سرعتها يمكن أن يؤثر بشكل كبير في استقرار المروحية.
لماذا يعشقها السياسيون؟
ورغم حوادثها الكثيرة، فإن المروحيات تظل الخيار الأقرب للسياسيين حول العالم، إذ تسمح هذه الطائرات للسياسيين بالسفر بسرعة بين المواقع، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، أو حيث يكون النقل البري بطيئاً بسبب الازدحام المروري.
كما أن المروحيات قادرة على الوصول إلى الأماكن التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق البر أو وسائل النقل الأخرى، مثل المناطق الريفية أو المنكوبة.
مروحية الرئيس الإيراني
نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية لقطات مصورة قالت إنها «الصور الأخیرة للمروحية التي تقل الرئيس الإیراني في ختام افتتاح سد «قيز قلعة سي» الحدودي المشترك مع أذربيجان.
وحسب اللقطات التي نشرتها الوكالة، وُجد أن الطائرة المروحية إيطالية الصنع وأمريكية الطراز "بيل 212" Bell 212 UH-1N، وهي واحدة من طائرتين من نفس الطراز ضمن القوات الجوية الإيرانية.
وسبق أن استخدام الرئيس الإيراني نفس الطائرة في مناسبات مختلفة، إحداها كانت على هامش زيارته إلى أصفهان لدى افتتاحه مشروعات في سبتمبر/أيلول 2023.
إحدى هذه اللقطات ظهر خلالها رقم تسجيل الطائرة (6-9204)، ورقمها التسلسلي (35057)، وهي من إنتاج عام 1992، بحسب بيانات موقع «إيرلاينز»، الذي يحتفظ بلقطتين للطائرة، في عامي 2011 و2014، عندما كانت تحمل نفس رقم تسجيلها مع تمويه عسكري، على ما يبدو قبل انضمامها إلى طائرات الرئاسة الإيرانية.
و«بيل 212» هي طائرة هليكوبتر متوسطة الحجم ذات محركين وشفرتين حلّقت للمرة الأولى في عام 1968. وتضم خمسة عشر مقعداً، مقعد واحد للطيار وأربعة عشر راكباً، ويبلغ امتداد جناحها 14.64 متر، فيما يبلغ طولها 17.43 متر، ويبلغ ارتفاعها حوالي 3.83 متر.
تعمل بمحرك برات آند ويتني الكندي الذي يتكون من اثنين من توربينات الطاقة. في حالة تعطل أحدهما، يمكن للقسم المتبقي توفير طاقة 900 حصان (671 كيلوواط) لمدة 30 دقيقة، أو 765 حصاناً (571 كيلوواط) بشكل مستمر، مما يمكّن 212 من الحفاظ على أداء الرحلة عند أقصى وزن، وتبلغ سعتها الداخلية 6.23 متر مكعب، فيما تستطيع حمل 2268 كيلوغراماً كحمولة خارجية.
هل أفل نجم المروحيات العسكري
الآن وبعد التطور المذهل في أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية والمدفعية المضادة للطائرات والمسيّرات القتالية، من الطبيعي أن يصبح التساؤل متعلقاً بمستقبل صناعة المروحيات القتالية الهجومية بشكل عام، فهل اقتربت نهاية هذا السلاح؟
يمتلك الجيش الأمريكي حالياً نحو ألف مروحية مقاتلة، الأغلبية العظمى منها من طراز أباتشي، و91 منها من طراز إيه إتش-64، علماً أن الطائرة الواحدة من هذا الطراز المتطور يبلغ ثمنها 36 مليون دولار، وهو رقم باهظ للغاية.
ويقود الطائرة المروحية طيار ومساعده، وكما أثبتت الحرب في أوكرانيا، لا ينجو أي منهما في حالة إسقاط المقاتلة بصاروخ أرض-جو محمول على الكتف، وهو ما يعني تعريض حياة طياري تلك المقاتلات لخطر داهم، على عكس المسيرات التي يتم التحكم فيها عن بعد على سبيل المثال. وبالتالي فإن استمرار هذه المقارنة يعني أن الوقت ربما قد حان للتخلي تماماً عن المروحيات الهجومية لصالح المسيَّرات.